“يلزمنا ناقفو لتونس”.. رئيس الحكومة الجديد يستحضر شعار شكري بلعيد

“..يلزمنا ناقفو لتونس لأجل استـقرارها الأمني.. يلزمنا ناقفو لتونس لاجل الفئات الضعيفة و المتوسطة.. يلزمنا ناقفو لتونس لأجل انجاح تجربتها..”.. هكذا تكلم السيد “يوسف الشاهد” رئيس الحكومة المكلف من قبل رئيس الجمهورية، و الآن بعد ان حاز تزكية مجلس النواب بأغلبية ساحقة ( 167 صوت و احتفاظ 5 و معارضة 22).. نبرة حماسية و قوية.

“يلزمنا ناقفو لتونس” هي كلمة الشهيد الابرز للثورة و الحرية و العدالة الاجتماعي، الزعيم الخالد “شكري بلعيد”. هذا المعلم اليساري الكبير و كبير لأنه تجاوز الاطر الضيقة نحو السماءات المفتوحة. كلمات “شكري بالعيد” المعارض الدائم و الشرس و المبدع في طروحاته و المنفـتح على بقية الطيف السياسي، خلافا لوجوه اخرى من اليسار البائس الذي يعمل على عزل نفـسه في بوتـقاته الضيقة. كلمات “شكري بالعيد” تخرج بحماسة على لسان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الشاب المفعم بالحماسة و القوة “يوسف الشاهد”.

كامل يوم الجمعة، صباحا مساءا و الى ساعة متأخرة من الليل، هو يوم تاريخي في مجلس النواب. اجواء رائعة من النبش و الرفـش و المدح كذلك. مشهد ديمقراطي عظيم. كل اللذين عبروا عن اتجاههم للتصويت لصالح الحكومة عبروا عن عدم اعطاء صك على بياض للحكومة كذلك.. اغلب الوجوه التي تكلمت عبرت بجميع اختلافاتها عن الكلمات و الاراء التي تدور في الشارع.

رئيس الحكومة كذلك تكلم في كلمته الافتـتاحية و في كلمته النهائية باللهجة التونسية ليكون قريـبا من الشعب.. انها السلطة تـقـترب من الشعب خطوة فخطوة.. و حقا لأنه لمن دواعي السرور هذا اليوم الديمقراطي العظيم في تونس.

يوما اريد له على لسان رئيس الحكومة ان تطوف فيه روح شكري بالعيد و تسبح في فضاء البلد بأسره و ليس في مجلس النواب فقط. و كما خصص السيد “يوسف الشاهد” في كلمته الختامية كلماته حول ان الجبهة الشعبية هي التي أقصت نفسها من الحوار الوطني، و انه شخصيا دعاها للعودة للحوار و لكنها رفضت، فانه كذلك قام برد مباشر حول اتهامات بعض نوابها لحكومته بأنها ستـقوم ببيع “الستاغ” ( الشركة الوطنية للكهرباء)و “السوناد” (الشركة الوطنية للمياه) بأنه لم يأتي لأجل ذلك و ان تونس اليوم لا يمكن ان تمر فيها مثل هذه الصفـقات الكبرى للتفريط في القطاع العام (تحت الطاولة).. كما انه رد الاتهامات بكونها حكومة محاصصة، لأنها تضم اقصى اليمين و اقصى اليسار و احزاب خارج البرلمان و احزاب تمثيليتها النيابـية ضعيفة، و بالتالي فهي حكومة تمثل جل الاطياف السياسية و ليست حكومة محاصصة حزبية.

كما انه قام بتوضيح موجز حول ما قصده بالعمل على الانتـقال نحو منوال تـنموي جديد، حيث حدد بعض النـقاط مثل بعث كتابة دولة للاقتصاد الرقمي، و التركيز حول الطاقات البديلة و المتجددة، و بعث ادارة خاصة بالمناجم، و بعث كتابة دولة للمبادرة الخاصة للاهتمام خاصة بالمهن الصغرى ذات الطاقات التـشغيلية الكبرى. كما تحدث عن الاستـثمار و وجوب احداث قانون الطوارئ الاقتصادية لإحداث التسهيلات الادارية لتـشجيع الاستـثمار.

اما عن ذكره للتـقـشف فانه قال ان مبادرة الوحدة الوطنية جاءت لأجل عدم الاضطرار اليه، و لذلك يجب العمل من اجل عدم الوصول إليه، و بالتالي فقد نفى انه جاء لأجل اقرار سياسة التـقـشـف. و مثلما نبه في الكلمة الافـتـتاحية الى ان الجميع مسئول عن الأزمة فان الجميع مسئول عن العمل الآن لأجل عدم الاضطرار لانتهاج سياسة التـقـشف.. اما عن انتـقاد ارتفاع الاجور فالمسالة لا تعود الى انتـقادها في ذاتها، بل ان ثورة الكرامة تعني الزيادة في الأجور و لكن الانتـقاد يعود من حيث ترافق الزيادة في الاجور بتراجع الانتاج و الإنتاجية.

و عبر السيد “يوسف الشاهد” عن وصفته لنجاح حكومته دون ان يعلنها صراحة، حين قال ان حكومته ستعمل على اساس الحوار مع اتحاد الشغل و اتحاد الاعراف منذ الاسبوع القادم. و باعتبار ان اتحاد الشغل هو اقوى مؤسسة في الدولة التونسية بعد الثورة، فان مشروع هذه الحكومة سواء في التـفاوض او في ضم احدى وزاراتها لأحد ابرز وجوه الساحة النقابية و اليسارية ( السيد عبيد البريكي)، كما ان الحكومة تضم احد ابرز وجوه اليسار و هو سليل الحزب الشيوعي التونسي السيد “سمير بالطيب”، فانها ترتكز على دعامات قوية و متينة.. كما انه تعرض الى مسالة العدالة الجبائية و التوازنات المالية، و قال انه لا تراجع عن محاربة الفساد و الفاسدين مذكرا بالهيئات التي سيتم دعمها..

و على كل. فالتـقيـيمات جميعها تبدو الآن في غاية التسرع سواء الايجابية منها او السلبية. و لكن وسط معمعة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة يجب ان نقـف عند النقاط التالية:

ـ جلسة البرلمان لمنح الثـقة للحكومة كانت ديمقراطية و عبرت عن جل ما يدور في الشارع من تساؤلات و تفاؤل و تشاؤم. هذه الجلسة في ذاتها مثلت تـقدما جد ايجابي في تكريس الديمقراطية في تونس..

ـ كلمتي رئيس الحكومة الشاب من حيث اللغة و المضمون و الحماسة و قوة الشخصية تبعث رسالة واضحة ان هذه الحكومة مختلفة عن سابقاتها كثيرا، و بالتالي يـبدو من التعسف الكبير مشابهتها بسابقاتها على اسس تجريدية وتكديسية لغايات سياسية واضحة تريد ان تـقول “انا او لا أحد”، فحكومة الجبالي النهضاوية تختلف عن حكومة “علي العريض” النهضاوية، كما ان جكومتي الصيد مختلفتان، فما بالك بالوجه الشاب الجديد و حكومته الشابة ذات الوجوه اليسارية البارزة.

ـ تبدو اهم نقطة تربط هذه الحكومة بما تـتداوله الالسن في الشارع هي محاربة الفاسدين و الفساد، و بالتالي فان الحكومة ما ان تراوغ في هذه المسألة حتى ينطفئ بريق الامل فيها. الحقيقة ان اي تغيـير يلزمه قرابين و بالتالي فان اولى اولويات الحكومة هو الاسراع بتـقديم بعض قرابين الفساد من الوزن الثـقيل.

ـ هناك مقـترحات عدة تـقدم بها اكثر من نائب تهم كيفية استخراج الاموال من الداخل، و انه ليكون لزاما على الحكومة دراستها و العمل على تـنـفيذ الممكن منها في اقرب وقت، لان الصراع الاساسي لهذه الحكومة هو مع الزمن.

ـ التوازنات المالية تـتـطلب اساسا تـشجيع الانـتاجية من بوابة رفع الضريبة عن المواد الخام و رفعها على المواد الجاهزة و محاربة التهريب بمختلف اشكاله.

ـ النقطة التي لم يتعرض لها رئيس الحكومة هي مسالة الثـقافة. نقول له ان اساس المشكلة في الوعي و في العقول. لذلك يتوجب الاهتمام بالمسالة الثـقافية. نقصد الثـقافة الجادة. ثـقافة الفكر و الابداع. ثـقافة الكتاب. فمن العار على تونس ان يكون فيها مفكرون و كتاب ذوي مستوى ابداعي كبير و لا يلتـفت اليهم الاعلام او الحكومات لتـشجيعهم و بثهم في الفضاء العام. فمثلا ألا تستحق جميع كتابات المفكر التونسي “هشام جعيط” الطباعة لنسخه بالآلاف على حساب الدولة و اخراج نسخ منخفضة الاثمان ليشتريها الناس و يطالعونها. كما ان وزارة التربية اليس من الاجدى تضمين البرامج الدراسية بكتابات “هشام جعيط” و “يوسف صديق” و “محمد الطالبي” و “عبد المجيد الشرفي” و غيرهم لكي تبعث عقول تونسية حية و مشتعلة و بالتالي مبدعة و اخلاقية و راقية في جميع المجالات؟ من جهة اخرى ألا يكون الافضل ان يكون كتاب تونس و ادبائها هم الاولى بالرعاية الحكومية و بالتركيز الاعلامي ليكونوا بوصلة للشعب بدل السياسيـين اللذين تـقيأ الشعب اجترارهم لنفس الكلمات الخشبية؟ فإذا كان الشعب لا يرى في السياسيـين إلا النفاق( و هو محق الى حد بعيد)، افلا يجدر ابراز بوصلات الفكر و الادب و الفن الراقي له لتكون بوصلته بدل الارتكان للتفاهة و لخطابات الشعوذة و التيهان؟؟ و كي “ناقفو لتونس” جميعا، افلا يجدر لتونس ان تصنع تمثالا عملاقا بحجم كبر “شكري بالعيد” الرمز للحرية و الكرامة و الثـقافة الموسوعية و شجاعة الموقف؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.