في ظل الخلاف بين حكومة الشاهد واتحاد الشغل: السيادة الوطنية تبحث عن عنوان

الحديث اليوم عن إمكانية تشكيل وفد يضم ممثلين عن حكومة الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتحكيم هذا الأخير بين حكومة وحدة وطنية ومنظمة وطنية عريقة لضمان الحصول على القسط الثاني من القرض الذي وافقت عليه إدارة الصندوق شرط التزام حكومة الشاهد ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي جاء في الوثيقة المرافقة لرسالة النوايا التي بعث بها محافظ البنك المركزي التونسي ووزير مالية حكومة الصيد الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماي 2016 ، يؤكد السيناريو الذي تحدثت عنه عديد الأطراف الرافضة لوثيقة قرطاج والأسباب التي صرح بها ساكن قرطاج لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتي جاءت لتبرير أو تزويق ما ستقوم به الدولة التونسية من تنازلات عن سيادتها الوطنية مقابل الحصول عن 2.9 مليار دولار كقرض من صندوق النقد الدولي لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2017 .

وفي ظل تمسك اتحاد الشغل بسقف تنازلاته وقبول التضحية شرط قبول بقية الأطراف بنفس التضحيات، وتمسك حكومة الشاهد بالإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي في اطار تمويل ميزانية الدولة بسبب شح الموارد المالية والجبائية للميزانية، دخلت المفاوضات بين الطرفين في مفترق الطرق لتنتظر ما ستعلن عنه إدارة الصندوق في اجتماعها القادم المبرمج يوم 21 ديسمبر المقبل على ضوء التقرير الذي أعدته بعثة الصندوق الى تونس والتي استغرقت زيارتها 10 أيام وانتهت يوم الأربعاء الماضي 9 نوفمبر 2016.

وبقطع النظر عن طبيعة الأزمة بين حكومة الوحدة الوطنية واتحاد الشغل، فان طرح سيناريو التوجه الى صندوق النقد الدولي للتحكيم بين الطرفين كحل أخير لإنقاذ البلاد من الإفلاس، كما تروج له بعض الأطراف، يثير تساؤلات بخصوص هامش التحرك الذي قبلت به حكومة الشاهد في اطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي التزمت بتنفيذه قبل أن تتشكل ومهدت له حكومة الصيد التي قبلت الإقالة في غياب المساءلة من قبل مجلس نواب الشعب حول هذا البرنامج الذي تعهد به محافظ البنك المركزي ووزير المالية السابق.

لقد أفلتت حكومة الصيد من المساءلة والمحاسبة لتغرق البلاد في مستنقع المجهول والسيناريوهات الانتحارية مع حكومة وحدة وطنية هرولت كسابقاتها الى الحلول السهلة والحلول الظرفية، في وقت يتطلب فيه الوضع حلولا هيكلية تستوجب تقديم أولويات البلاد على أولويات الأحزاب.

ما نتابعه اليوم من أزمة بين حكومة الوحدة الوطنية واتحاد الشغل هو سيناريو تفنن صندوق النقد الدولي في حبك تفاصيله ليبدو للرأي العام وكأنه وليد الاختلاف حول مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2017 ومسألة الزيادة في الأجور. ففي مقالات سابقة أشرنا الى أن طبيعة ما جاء في وثيقة قرطاج والتزم به اتحاد الشغل سيدفع هذا الأخير الى إعادة خلط الأوراق اذا ما اختار مواصلة الدفاع عن مصالح منخرطيه، وهو أمر لا يخفى عن صندوق النقد الدولي الذي خبر طبيعة الشعب التونسي ونقاط ضعفه ودور المنظمة الشغيلة التي تعتبر حزام امان الطبقة الشغيلة التي لا تعترف بها الأنظمة الاقتصادية الليبرالية والمدافعين الشرسين عنها وفي مقدمتهم صندوق النقد والبنك الدوليين.

لقد طالب اتحاد الشغل بجرعة أكبر للبعد الاجتماعي في برنامج الإصلاح الأخير باعتبار الخسائر التي تتكبدها الطبقة الشغيلة بسبب تخلي البنك المركزي التونسي عن الدينار التونسي، الا أن صندوق النقد الدولي بقي وفيا لمبادئه ورفض الحد الأدنى للبعد الاجتماعي، توجه انخرط فيه منذ سنة 1986 تاريخ تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي، وهو البرنامج الذي أوصل ميزانية الدولة الى هذا المستوى العالي من العجز ومن تفاقم كتلة الأجور. توجه عمقته اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 للتآمر على الاقتصاد الوطني بقطاعاته الثلاث الصناعة والفلاحة والخدمات لتدميرها بتحرير المبادلات التجارية التي تقف وراء تفاقم العجز التجاري والعجز الجاري حيث أفادت اخر الاحصائيات للأشهر العشرة الأخيرة من السنة الجارية والصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء تواصل تفاقم العجز التجاري وارتفاع الواردات من الصين وتركيا وإيطاليا… وضع يعود الى طبيعة منوال التنمية الذي التزمت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على استمراره والدفاع عنه بأشكال مختلفة.

لقد قدمت حكومة الشاهد مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2017 في غياب المخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2019 الذي من المتوقع أن يناقشه مجلس نواب الشعب بعد المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2017 … وضع يثير تساؤلات حول المرجعية الرسمية لهذه الحكومة عند اعداد مشروع الميزانية ليتضح أن مرجعيتها الأساسية هو برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي لصندوق النقد الدولي الذي أعطى لنفسه الشرعية وبمصادقة مجلس نواب الشعب للاستحواذ على ما تبقى من مقومات سيادتنا الوطنية بعد أن فرط البنك المركزي التونسي في سيادتنا النقدية بالتخلي عن الدينار التونسيبتزكية ومباركة من مجلس نواب الشعب بعد مصادقته على مشروع النظامالداخلي للبنك الذي كرس استقلاليته تجاه السلطة التنفيذية وتبعيته لصندوق النقد الدولي.

عديد الأطراف تتساءل بخصوص الحلول الممكنة أمام حكومة الشاهد لتخفيف سرعة السقوط في التنازل عن سيادتنا الوطنية حيث تعمل هذه الحكومة على طمس هذه الحلول الممكنة وتغييبها من خارطة طريقها رغم أنها ليست بالسحرية ولا المستحيلة بل تتطلب الايمان بإرادة هذا الشعب في تحقيق مصيره بنفسه وفتح المجال أمام الوطنيين الحقيقيين لقبول مزيد التضحية بما لم يبق له ما يضحي به بعد أن استوفى كل التضحيات على امتداد 60 سنة.

أول هذه الحلول استهداف العجز التجاري والعمل على تقليصه بما تسمح به أحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة المتمثل في الحماية الظرفية وتقليص الواردات التي تستنزف احتياطنا من العملة الأجنبية من جهة، واستهداف إعادة الاعتبار لنسيجنا الصناعي وقطاعنا الفلاحي وحماية قطاع الخدمات من خلال تحفيز مناخ الاستثمار الداخلي وليس الأجنبي الذي أتى الى تونس لاستنزاف ثرواتها المالية والطبيعية والبشرية وتهريب القيمة المضافة في إطار مجلة صرف جاءت على مقاس استثمار أجنبي مباشر أناني لا يخدم الا مصالحه في ظل سلطة سياسية لا تزال تعمل على تقديم مصالح الأقوياء على حساب أولويات التنمية من جهة أخرى.

ولئن لا يزال أمام هذه الحكومة هامش تحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه الا أن ما نفقده اليوم هو الاستماتة من أجل السيادة الوطنية التي ألبسوها جلباب العولمة والانفتاح والاندماج في الاقتصاد العالمي وتاهت في المجهول تبحث عن عنوان يعيد لها أنفتها وعزتها وكبرياءها.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.