حكومة الإنقاذ الوحيدة هي حكومة ثنائية ندائية نهضوية

ليوسف الشاهد فرصة وحيدة للنجاح…

ليوسف الشاهد فرصة وحيدة للنجاح في مهمّته شبه المستحيلة، وقد سبق لي أن وجهت له نفس النصيحة صادقاً عندما وجد نفسه في ذات الورطة عند تشكيله الحكومة الراهنة ولم يستمع إليّ، ومضى في طريقه فألف حكومة بلا لون أو طعم أو رائحة، تضم طائفة من الوزراء وكتاب الدولة لا رابطة ولا برنامج ولا عاطفة تجمع بينهم. 

وقد بانت عورات الحكومة منذ يومها الأول وظهرت مواطن ضعفها تباعاً، وانفرط عقدها بأسرع مما كان يتصوَّر حيث وجد رئيسها نفسه كلّ مرّة أمام حالة إقالة أو استقالة مصحوبة بمشكلة أو حتّى فضيحة، كما طالت شبهات فساد عدداً من الوزراء وأعضاء الحكومة، بالاضافة إلى أخطاء وزلات عرّضت المصالح الوطنية العليا للخطر.

وثمّة حقيقة يجب أن نعترف بها، بعيدًا عن المماحكات والمكائد والمؤامرات والخلافات الشخصية، أن الكرسي لا يسيّر نفسه بنفسه، بل إن الجالس عليه ستنكشف قدرته أو كفاءته ولو بعد حين، ولا تنفع الحملات الاتصالية أو التحركات "الفهلوية" مهما برع أصحابها في قلب الحقائق أو تزيين ما لا يمكن تزيينه، فالحملة على الفساد مثلاً انتهت إلى الفشل تماما كما توقعنا، ليس لأنها لم تجد حزاما سياسيا يدعمها مثلما قيل، بل لأن النية من ورائها منذ البداية لم تكن صادقة، ولأن الوسائل التي سخّرت لها لم تكن شفّافة أو مكتملة، وكان الهدف العميق من ورائها "سياسويا" وهو ما قد يساعد على تأجيل مشكلة لشهر أو شهرين لكنّه لا يمكن أن يحلّ المشكلة. 

منطق الغنيمة الذي اتّهم به الحزبان الكبيران الفائزان، هو نفس المنطق الذي يتحّكم في المعارضة وفِي قطاع كبير من صنّاع الرأي في النظر إلى شؤون الحكم، مع فارق أن الحزبين لهما تفويض شعبي انتخابي في ممارسة الحكم، بينما يفتقد البقية أي مبرّرٍ موضوعي للمشاركة في الحكومة، وعندما نسمح بالخروج عن الاعراف والتقاليد الديمقراطية، نفتح الباب على مصراعيه أمام المغامرين والمقامرين ليعبثوا بالمعادلة السياسية ويحقّقوا أهدافهم في الوصول الى السلطة بلا وجه حق كما هو الحال اليوم، عندما يجد حزبان فازا بثقة الشعب في انتخابات نزيهة على هامش مركز القرار، بينما يتحكم شخص او اثنان او ثلاثة في هذا المركز بدون أي نوع من أنواع الشرعية، ناهيك أن يكون هؤلاء الأشخاص مفتقرين لأي كفاءة أو سيرة ذاتية أو مهارة أو تجربة غير استغلال نقاط ضعف النظام السياسي الانتقالي، وهو ما ورد في تصريح الامين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي مؤخرا، وفِي تصريحات كثير من العقلاء وأهل الرأي والخبرة.

علينا أن نفكِّر بشجاعة كبيرة ترتقي إلى مستوى الأزمة الكبرى التي تتخبّط فيها بلادنا والتي تهدِّد بعمق مشروعها الديمقراطي الناشئ ومنوالها التنموي الموعود. إن كل ما نقوم به اليوم هو اللعب بسمعة دولة جرى بناؤها عبر عقود من الكفاح والسياسات الصائبة في مجملها. نقترض ثم نقترض ونقترض لنغطي على عيوبنا ونصرف على رفاهية لا نستحقها ونستمر في فعل كلّ شيء إلا الشيء الذي يجب أن نقوم به وذلك لأننّا نمارس سياسة الهروب إلى الأمام أو سياسة الأوهام ونرفض الاعتراف بنقاط ضعفنا وعلى رأسها فشلنا في بناء حكومة سياسية قوية تكون قاعدة لنظام سياسي قوي.

إن الدرس الأول الذي علينا استخلاصه، وهو ما يؤكده جل خبراء الاقتصاد، أن مشكلتنا التنموية ليست مشكلة اقتصادية في حقيقة الأمر، بل مشكلة سياسية، لأن التقدّم في جميع البلدان الذي أدركته، كان مشروعاً سياسيا في المقام الأوّل كما كان حلما في أذهان سياسيين نالوا تفويضا شعبيا واجتهدوا لتسخير الموارد المادية والبشرية لتحقيقه. 

ليوسف الشاهد فرصة وحيدة إذاً، أن يعود إلى طريق الحقيقة بدل تجاهلها، وأن يبدأ بالتخلي عن كل من شجعه وزين له الخروج على العرف الديمقراطي وإدارة ظهره لحزبه، وان يراهن على حكومة سياسية صرفة تستند إلى الإرادة الشعبية، ويشكل حكومة قوية فاعلة من الحزبين الكبيرين، تنزل الى الميدان منذ يومها الاول لتقود معارك التغيير في ظرف قياسي لا يتجاوز السنتين، يتمِ خلاله تبنّي الحلول المغامرة المحسوبة المراهنة على العودة إلى العمل وتطبيق القانون بصرامة وإعادة هيبة السلطة والانفتاح على القوى الاقتصادية الصاعدة والمضي في مسارات تجديدية غير تقليدية، ودون هذا سيتسع الرقع على الراتق وسندفع بلادنا إلى حافّة الهاوية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.