“جمنة” بين الثورجية و المعقولية

تصور أن لسان السلفية الماركسية (الثورجية) يصف كلام المثقفين بالثرثرة…

تصور أن لسان السلفية الماركسية (الثورجية) يصف كلام المثقفين بالثرثرة ويصفهم بالحالمين. انظر مدى الاحتقار للفكر و المفكرين خارج كهفهم المظلم. و واقع الحال و التجربة يؤكد مما لا مجال للشك فيه أنهم يعانون من عقم فكري و تهافت كلامي و قصور في الإحاطة بالفلسفات المختلفة و عجز عن فهم التغييرات و الثورات الفكرية في القرن العشرين..

ربما لا يسعنا ان ننتبه إلى جل السموم المنبثة في جسد هذه الأفعى الرقطاء على هامش تأكيدها بصفير الأفعى على الصراع الطبقي على هامش تعليقها على تشاركية "جمنة". القول بالصراع المادي الملموس الذي لا يتطلب أحلام و ثرثرة المثقفين. انه قول المطرقة و المنجل. انه أساسا العقل الذي جمد و استحال إلى منجل. انه عقل المزارعين المحدود بالملموس..

لكن، ما يخفيه هذا القول أكثر مما يفصح عنه. انه يقول أن لا كلام بعد المطرقة و المنجل. لا كلام بعد توصيفهم هم لحقيقة الصراع و الحكم بوجود صراع من عدمه و درجاته و توصيفاته خارج كهفيتهم الإيديولوجية المظلمة..

انك هنا لست أمام دكتاتورية البروليتاريا فقط. انك أمام دكتاتورية الكلمة. انك أمام احتكار الاشتراكية مثل احتكار الإسلام السياسي للإسلام. انك أمام احتكار الأحلام. احتكار مجمل التوصيفات خارج كهفيتهم التي تملؤها شباك العنكبوت..

انك بالتالي أمام أبشع أنواع القهر الفكري و بالتالي الواقعي إن تم لهم احتكار السلطة. أما الدولة التي نتحدث عنها فما هي إلا هم أو حزبهم الذي يمتلك الأبدان و الأرواح. و برغم عبثية هذه الأحلام إلا أنهم لا يرضون أحلاما غيرها، و رغم كونها لا تزيد عن الثرثرة البين ذاتية في الأقبية الخفية إلا أنهم يرونها الكلمات الوحيدة التي من خلالها تكون مجمل الكلمات الأخرى ثرثرة مثقفين يفكرون. الفكر الحر هو اشد الأعداء لديهم و بالتالي فلا ديمقراطية لا شعبية و لا ليبرالية في نهاية المطاف، و إنما إيديولوجية تتيح للمزارعين أن يتملكوا الوطن..

تصور أن الدولة التونسية اليوم، لو تتبنى التجربة التشاركية التعاونية شبه العفوية التي يمكن تسميتها بتجربة "جمنة". تصور أن الدولة لو رسخت مبدأ التعاونيات الفلاحية في إطار صياغة قانونية تؤكد مبدأ التشاركية و الشفافية و التنمية المحلية و الجهوية، فإنها تؤكد بالتالي قاعدة متينة للإنتاجية و موارد ذاتية للدولة بشكل تنموي أفقي يسرع من التنمية.

تصور أن الدولة لو تنحو هذا المنحى، فإنها ستعلن ارتباطها بثورة الحرية و الكرامة، و ستحمي المستقبل من الايديولجيات السامة الحاقدة، و ستخلق مناخا عاما من الثقة بين الشعب و مؤسسات الدولة، و ستقلص حجم الهوة بين الأغنياء و الفقراء، مما يخلق تفاعلا وطنيا على المستوى الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي و الثقافي من شانه أن يرتفع بالحالة العامة نحو بناء تونس جديدة منيعة و قوية ذات قوة أخلاقية و آمنة من غدر الملائكة الشياطين و حرة تجاه جميع الناقصين..

تونس بلد الجميع، ومصير الجميع مرتبط بالجميع. فلا امن للمال دون امن اجتماعي حقيقي و لا استقرار دون تفاعل حي بين المال و القوة المنتجة في الفلاحة و الصناعة و الثقافة. المهم هو إقرار مبدأ الإنتاجية المعقولة و ليس مبدأ التواكل الذي سيحرق البلد بأغنيائها و فقرائها.

مصير الدولة مرتبط بخلق حالة روحية أي فكرية تقدمية إنسانية خيرة. هذه الحالة تعبر عن نفسها في منظومة قانونية و مؤسساتية و اقتصادية و ثقافية، توحد الجميع  في إطار الوطنية الأسمى.. و تحيا تونس..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.