بمصادقته على مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017.. مجلس نواب الشعب ينتصر للثورة المضادة

كشفت الجلسات العامة لمجلس نواب الشعب المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017 عن الهوة العميقة بين السلطة التنفيذية وبرامجها الإصلاحية وتطلعات الشعب التونسي والجهات المهمشة التي يدافع عنها عدد من نواب الشعب في التنمية وفي حياة كريمة.

أغلب المداخلات المدافعة عن التنمية الجهوية، والتي استندت الى واقع هذه الجهات التي تعاني التهميش والاقصاء منذ الاستقلال، وجدت نفسها تطالب بحقوق ضمنها الدستور الجديد وتجاهلها مشروع ميزانية الدولة، بل أن وزراء حكومة الوحدة الوطنية انخرطوا هم أيضا في سياسة بيع أوهام وأحلام سيتبرؤون منها قريبا عند مناقشة مشروع قانون المالية التكميلي في منتصف السنة المقبلة بدعوى شح الموارد المالية والحرص على الضغط على عجز الميزانية وعلى تقليص التداين الخارجي.

أغلب وزراء حكومة الوحدة الوطنية أبدعوا في مغالطة الشعب التونسي وفي الدفاع عن "إصلاحات" جاء بها صندوق النقد الدولي مقابل التسريح للقسط الثاني من القرض. في المقابل بقيت استحقاقات الثورة في التشغيل، وفي الحفاظ على منظومة الإنتاج وحمايتها من المنافسة غير الشرعية نتيجة إصرار حكومة الشاهد على عدم "ترشيد" التوريد وإقرار إجراءات حمائية ظرفية واستثنائية بمقتضى أحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة واتفاقية الشراكة بين الجمهورية التونسية والاتحاد الأوروبي من جهة، وفي حماية المقدرة الشرائية والتحكم في التضخم وفي حماية عملتنا الوطنية من جهة أخرى.

كما كشفت الجلسات العامة والنقاشات عن انقسام مجلس نواب الشعب الى قسمين اثنين، قسم يمثل أنصار ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011، وقسم يمثل أنصار ثورة مضادة لبست جلباب الإصلاحات الاقتصادية والمالية لإنقاذ الاقتصاد الوطني بمفهوم صندوق النقد الدولي واللولبيات التي تمثله في تونس واخترقت كل مؤسسات الدولة وشكلت أغلبية ساحقة وتبنت خطابا ورديا يذكرنا بخطب النظام السابق الذي يخرج في كل مرة لرفع شعارات الغاية منها امتصاص غضب الطبقات الهشة والمتوسطة وقطاع الشباب.

في هذا السياق نستحضر الحملات التي يطلقها نظام بن علي كلما تشتد الازمات الاجتماعية وتصله أنباء احتمال احتجاجات شعبية وشبابية تطالب بالتشغيل والتنمية، ليحبك مسرحية سيئة الإخراج أبطالها مجموعة من رجال الأعمال تحت غطاء الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لتنظيم "حصة مزاد علني" يتنافس فيها أبطال هذه المسرحية فيما بينهم حول عدد مواطن الشغل التي سيلتزمون بخلقها للإعلان في نهاية الحصة بالتزامهم بخلق 100 ألف موطن شغل لا يزال هؤلاء الشباب والجهات في انتظارها…

… وجاءت الثورة … وانتقلت تونس من المؤقت الى الدائم… وصدر دستور جديد… وجاءت الحكومات المنتخبة الأولى والثانية برئاسة الصيد… وجاءت حكومة الوحدة الوطنية التي انخرطت مباشرة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الذي وجدته جاهزا بفضل "وطنية" محافظ البنك المركزي التونسي ووزير مالية حكومة الصيد ورسالة النوايا التي بعثا بها بتاريخ 2 ماي 2016 الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي والوثيقة المرافقة لها المتضمنة لرزنامة عمل حكومة الوحدة الوطنية ومواعيد تنفيذ الإصلاحات وعقد اجتماعات المجالس الوزارية…لتبدع هذه الحكومة في تونسة هذه الإصلاحات من خلال تجنب مصطلحات فقدت بريقها مثل الخصخصة، والتقشف، والإصلاح الهيكلي… وتعويضها بمصطلحات لم يتعود عليها الشعب التونسي مثل الشريك الاستراتيجي والضغط على كتلة الأجور ووثيقة قرطاج…للتعبير عن برامج تدميرية تتناقض مع أولوياتنا التنموية وتضرب استحقاقات الثورة.

وباعتبار سقوط أقنعة المغالطات ودخول حركات الرفض منحى تصاعديا لكل ما تعلن عنه حكومة الوحدة الوطنية واختزاله في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017 "عادت حليمة لعادتها القديمة" وأعلن رئيس الجمهورية عن مبادرة اقتصادية بقيمة 1500 مليون دينار-لا نعلم كيفية ضبط هذه القيمة – سيلتزم في اطارها 20 رجل أعمال – لا نعلم أيضا معايير اختيارهم – وتحت غطاء الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لامتصاص الغضب الشعبي ورفضه لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية بخلق 50 ألف موطن شغل.

ولئن تم التسويق لهذه المبادرة على خلفية احتضان تونس للمؤتمر الدولي للاستثمار، فقد جاءت هذه المبادرة لامتصاص الغضب الشعبي ولو لفترة وجيزة، في انتظار مغادرة ضيوف المؤتمر التراب التونسي، ولتجد فيها وسائل الاعلام مادة لتأثيث برامجها خلال نفس الفترة.

وبقطع النظر عن صلاحيات رئيس الجمهورية في اطار الدستور الجديد وتجاوزه لها في كل مرة للظهور كزعيم منقذ، فإننا نتساءل عن الأسباب التي دفعت بهذه المجموعة من رجال الأعمال الى الاستثمار والحال أن " دار لقمان على حالها" بل ان منظومة الانتاج في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017 لم تحظ بامتيازات استثنائية لتحفيز المستثمر التونسي.

فقد حرص مشروع ميزانية الدولة لسنة 2017 على التقييد بالبعد المالي وضرب البعدين الاجتماعي والاقتصادي يما يرشح الى دخول البلاد في السنة القادمة في منعرج خطير يمهد لضرب الانتقال الديمقراطي والعودة الى نظام دكتاتوري بغطاء ديمقراطي في خطوة نحو الانتصار للثورة المضادة.  حرر بتاريخ 27 نوفمبر 2016

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.