النهضة والمأزق الانتخابي القادم…

غيرت حركة النهضة إسمها أو لم تغير وفصلت في تناقضاتها أو لم تفصل، فليس من المستبعد أن تعاني صعوبات جمة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وهي تقترب كحركة جماهيرية شيئا فشيئا من نهاية دورة تاريخية إستثنائية قد تنعكس سلبا على أوضاعها الداخلية. إذ تشهد الخلافات العميقة التي تشقها منذ فترة نسقا تصاعديا لدى بعض من يعارض مواقفها وسياساتها المتأثرة بإكراهات خارجية وداخلية رغم استعراضات القوة والإيهام بالتلاحم بمناسبة انعقاد مؤتمرها العاشر. 

حلّت الحركة في المرتبة الثانية إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2014 ولم تحز ثقة غير 947 ألف ناخب تقريبا ولم تحصل سوى على 69 مقعدا من مقاعد مجلس نواب الشعب.

وقد مثلت خسارة أكثر من ربع مقاعدها (20 مقعدا) بالمقارنة مع نتائجها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 مصدر فزع للكثيرين صلب قيادتها. فتلك الحصيلة ورغم تغريرها بالكثيرين في سياق عالمي اتسم بانهيار شامل للإسلام السياسي فانها لم تقنع الجميع رغم أنها عدّت أو سوّقت "رسميا" كنصر سياسي كبير مكن من تجنب خضوع الحركة وعناصرها للمحاسبة عن فترة حكمها ومن التمترس بالتالي في مشهد سياسي متهالك ككيان قوي وصامد. 

ولم تخفّ حدة الانتقادات داخلها إلا بعد تمكنها فيما بعد من البروز ظاهريا في مظهر القوة السياسية الرئيسية الوحيدة المتماسكة والمنظّمة. 

تكذب الأرقام دوما المظاهر حيث أن نتائج انتخابات 2014 مثلت في الواقع هزيمة موجعة للحركة بالمقارنة مع حصيلتها السابقة في انتخابات 2011.

إذ تحصلت حينها على أصوات مليون ونصف ناخب تقريبا مما مكنها من نيل 41 % من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي (89 من 217 ).

ففي ظرف 3 سنوات فقط خسرت الحركة قرابة 37 % من قاعدتها الانتخابية  بفقدانها أصوات 552 ألف ناخب تقريبا. وهو رقم مهول يعبر في الحقيقة عن الأزمة الحادة التي تعاني منها ويكشف عن عمق مشاكلها الهيكلية إذ يمثل خمس (18.49 %) العدد الجملي للأصوات المصرح بها للقائمات الفائزة في 2014. وهو يفوق عدد الأصوات التي حصلت عليها قائمات الجبهة والوطني الحر وآفاق والمؤتمر والتيار الديمقراطي مجتمعة.

سُجّل ذلك التراجع في النتائج على مستوى جل الدوائر الانتخابية وخاصة الكبرى منها، ففي الداخل خسرت الحركة هيمنتها على العاصمة بكامل دوائرها وكذلك وخاصة معاقلها بصفاقس 1 و2. أما في الخارج فلم تتمكن من إنقاذ سوى دائرة ألمانيا ودائرة الدول العربية وبقية العالم.

ومن مجموع 27 دائرة في الداخل تراجعت نتائجها في 24 منها ولم تحقق بعض التقدم الطفيف على مستوى عدد الأصوات سوى في 3 دوائر  صغيرة وهي سيدي بوزيد (816 صوتا إضافيا) ومدنين (7576 صوتا إضافيا) وتطاوين (2063 صوتا إضافيا). 

علينا في هذه المرحلة أخذ معطيين أساسيين بعين الإعتبار، يتعلق أولهما بانتخابات 2011 التي كانت نزيهة وشفافة بإشراف هيئة مستقلة ومحايدة تماما وعبّأت فيها الحركة أقصى ما يمكنها من أصوات ناخبين ونالت حقها كاملا بدون زيادة ولا نقصان. 

أما الثاني فيتعلق بانتخابات 2014 التي لم تتميز بالحد الأدنى من النزاهة والشفافية وخسرت فيها الحركة رغم جهود الهيئة غير المحايدة المنصّبة من قبلها والموالية لها. حيث تحوم شكوك قوية حول حصدها بين 15 و20 مقعدا إضافيا نتيجة حدوث عمليات تحويل ناخبين عن طريق خدمة البيانات غير المهيكلة أثناء عمليات التسجيل. فضلا عن تأثير الهيئة على النتائج لفائدتها من خلال جهودها للحفاظ على الخارطة الانتخابية السابقة باصرارها على تسجيل أقل ما يمكن من الناخبين الجدد. 

ومع ذلك خسرت الحركة في تلك الانتخابات جزءا مهما من قاعدتها الانتخابية وكانت ستخسر في الواقع أكثر من ذلك بكثير.

ومع تصاعد الجدل اليوم صلب الحركة ذات القواعد "السلفية" عموما حول سياساتها و"تنازلاتها" وتوافقاتها وتخليها عن "ثوابتها" و"غدرها" بإفرازاتها "المتشددة". فضلا عن الجدل الذي يصحب نوايا فصلها (لغرض التسويق الإعلامي) بين السياسي والدعوي والسخط الذي تسببه تجاه القيادة نتائج المؤتمر العاشر المعلومة مسبقا. 

ومع ما تعنيه مواصلة الحركة دخول غمار مخاطرة غير محمودة العواقب تفقدها أجزاء أخرى مهمة من قواعد لا تدرك غالبا حدود إزدواجية خطاب الحركة ولن تقبل بالتخلى عن المنابر الدينية والمكاتب الحزبية التي تمثلها بيوت العبادة ، فإن الحركة ستكون على مشارف مرحلة صعبة خصوصا في الانتخابات البلدية المقبلة التي تستلزم عددا ضخما من المرشحين من شأن تدخلهم في الحملات الإنتخابية بخطاب مغاير لخطاب الحركة المهادن كشف حقيقة تشدد غالبيتهم أمام الرأي العام الوطني والدولي. 

كما أن فشل الحركة في إدارة شؤون الدولة لا يعني أنها ستكون قادرة على النجاح في إدارة شؤون الجماعات المحلية بنفس العناصر النهضوية التي تشكل حاليا أغلب النيابات الخصوصية الفاشلة. وهي لن تقدر على تغيير جزء كبير منهم مما قد يبعد الناخبين عنها خصوصا أنه من المؤكد أن تشمل الانتخابات المقبلة 350 دائرة انتخابية على الأقل. 

إن جملة هذه العوامل قد تجعل الحركة في مأزق كبير وقد لا يكفي تلاعبها المنتظر بالتقسيم الجديد للدوائر الانتخابية البلدية وحمايتها لهيئة الانتخابات ومنع محاسبتها وتحييدها لتفاديها فقدان جانب مهم آخر من قوتها الانتخابية.

طبعا لا يعني ذلك أن بقية الأحزاب ستستفيد من تراجع الحركة التي توجد لوحدها على الميدان إذ أن أغلبها لم يغادر صالونات النزل الفاخرة بعد أو يتخبط في مشاكل لا حدود لها. ولذلك من المرجح أن تمثل الانتخابات البلدية فرصة كبيرة للقائمات المستقلة المحلية لكي تحقق الفوز ولو جزئيا ولا أحد بإمكانه ضمان أن لا يكون أغلبها غير بعيد عن تلك الحركة العنكبوتية.      

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.