أفغنة الشارع ولبننة الحكومة!

 بعد ثلاثة أعوام من ثورتنا ـ فقئت عينا من يطعن في انجازاتها ـ أفغنت شوارعنا (نسبة الى افغانستان) و جزأرت جبالنا (نسبة الى الجزائر) و لبننت (نسبة الى لبنان) عملية اختيار الحكومة الجديدة!
هذا الاسبوع كان نموذجا جيدا لعملية التعميد ببركات عقيدة التثليث العربية الاسلامية ونقصد: الافغنة والجزأرة واللبننة.

فمن مظاهر التعميد على الطريقة الافغانية ، نهاية الأسبوع الماضي، أن هاجت وماجت مدينة الكاف بأكملها وتحولت شوارعها الى ساحات حرب شوارع بين اصحاب اللحى والجلابيب الافغانية وبين قوات الامن.
كانت الانطلاقة احتجاجات بسيطة على عملية تهريب روتينية لتتحول الى غزوة لانصار الشريعة في الشوارع متظلمين من الحيف والتمييز الذي يمارس ضدهم وانعدام حقوقهم من اجل نيل نصيبهم من الاسمنت المهرب. النتيجة حرب شوارع ومواجهات وتكبيرات وحجارة حتى مطلع الفجر.
غير بعيد عن الكاف يتواصل سيناريو"الجزأرة" على سفوح سلسلة جبال الشعانبي ومرتفعاتها. آخر الشهداء الذين تقدمهم البلاد هو الرقيب يوسف الدريدي اصيل ريف ولاية سليانة. جاء استشهاده يوم الاثنين 2 ديسمبر، بلغم مزروع حديثا على الارجح ليؤكد ان مسلسل حرب الارهاب طويل وان عملية استئصاله في الجبل لن تتم الا عبر تجفيف ينابيعه في السهل.
من أجل فك الغام الجزأرة في الشعانبي وتفكيك الخلايا المتركزة في اعلاه لا خيار لنا الا ضرب دعامته العقائدية واللوجستية في المدن. اجهاض مخطط  جزأرة الشعانبي يبدأ في الكاف وسجنان والتضامن وغيرها من المناطق المهمشة عبر تفكيك قواعد الافغنة في الشوارع والمساجد.
في ذات الاسبوع الذي عشنا فيه نماذج من الأفغنة في الكاف والجزأرة في سفوح الشعانبي، تعيش العاصمة على وقع مارطون تشكيل الحكومة الجديدة ومفاوضات الرباعي من اجل اختيار رئيس الوزراء الجديد. حالة اللبننة اصابت المجتمع السياسي بأكمله، ففي لبنان يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة اشهرا عديدة وهو وضعنا الحالي.
ومثلما يزكى أي رئيس حكومة لبنانية جديدة من جميع الفرقاء والطوائف فان رئيس حكومتنا مطالب بان ينال موافقة جميع الفرقاء السياسيين، وما أكثرهم. واذا كان الضوء الاخضر ضروريا في الحالة اللبنانية من طهران(الشيعة) والرياض (السنة) فانه من الضروري أن ينال رئيس حكومتنا الجديد رضى عواصم اخرى من قبيل الجزائر وباريس ولم لا عاصمة النفوذ الجديدة: دوحة قطر.
المشهد السياسي بكل تفاصيله في تونس والعملية القيصرية التي تجري لاختيار رئيس الوزراء يشكلان بامتياز عملية "لبننة" مع تعويض المكونات المذهبية والطائفية والدينية بالمكونات السياسية عندنا. اتحاد الشغل هدد في اخر انذاراته اذا ما تواصلت المفاوضات بلا نتيجة بان البلاد اتسير الى المجهول، اي اننا ربما نسير في اتجاه "اللبننة" في صيغتها الصفر أي الحرب الاهلية اللبنانية. 
من المرجح اذا ما تواصل الوضع على ما هو عليه ان نسير الى انتاج علامتنا المميزة: التونسة والتي هي على الارجح ستكون خليطا من التجارب والخبرات الماضية في الصراعات والتقاتل الداخلي والتجاذب الطائفي ـ السياسي.
فالتونسة ستكون على الارجح ، اذا ما واصلنا سياسة الهروب الى الامام ، مجموعا لتراكمات وخيرات وبركات الأفغنة والجزأرة واللبننة ! لا نتمنى ان تكون التونسة وصفة تطلق على الحالة التونسية في مستقبل الأيام.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.