أخبط من حاطب ليل!

عندما تندلع أي ثورة في بلد من بلدان العالم يطرح المحللون لها سؤالا : ما هي الافكار الجديدة التي جاءت بها بدل النظام الذي يتساقط ؟

في الثورة الرومانية التي اطاحت بنيكولا تشاوستسكو كانت بدائل المجتمع الحر ضد منظومة الحكم الشيوعية جاهزة. لم تجتهد الثورة الرومانية كثيرا في ايجاد مراجعها ومستنداتها. وجد الرومان في أفكار فلسفة التنوير والحريات التي تعيشها اروبا الغربية انذاك منطلقاتهم وبداياتهم مع المجتمع الذي ينشدون. 

 قبل الحدث الروماني بعشر سنوات كان سقوط الشاه في طهران عنوانا لانبعاث ثورة الحوزة الدينية وملهمها انذاك اية الله العظمى روح الله الخميني. في الحالة لايرانية من الواضح ان فكرة الثورة الدينية لقيت تنظيراتها ومراجعها مع علي شريعتي وكتابات الخميني ذاته واخرين سطروا مسارات الثورة الايرانية. عمر هذه الثورة اليوم حوالي خمسة وثلاثين عاما وهي ثورة تستمر في الوجود بصعوبات وضغوطات لا تحصى، ضد مسار التاريخ الهيجلي، ولكنها ماضية في "قداسة" نموذجها الذي لا تجد غيره بديلا. وهذه بالقطع أحد هاناتها.

في حالتنا التونسية كما في حالات اخرى تعيشها المنطقة العربية سؤال البدائل. ماذا بعد سقوط أنظمة مستبدة شبه تنويرية؟ اي مراجع فكرية يمكن ان تستند لها الحكومات السياسية التي جاءت بعد الثورة ؟ من الواضح أن نموذج العودة الخمينية للشيخ راشد الغنوشي لم يكن هو البديل. عاد الخميني من باريس فاستقبلته الجماهير ليصبح ملهم الثورة الاسلامية  وقائدها. لم يتم الامر بالنسق نفسه للغنوشي عندما عاد من العاصمة البريطانية لندن. كان واضحا ان الجمهور التونسي لم يطمح الى ثورة دينية ولم يرى في الغنوشي خميناه. الايام كما الاشهر التي تلت وصول الاسلاميين الى السلطة لم تغير كثيرا من نظرة و من واقع التونسيين كما لم ترتقي بمكانة الاسلاميين، هذا اذا لم نقل انها ازدادت تدهورا. 

بالتوازي فان أيا من شركاء الاسلاميين (شبه العلمانيين) في السلطة لم يطرح مشروع بديل تنويري حقيقي يستند الى فكرة الحريات وقداسة حقوق الانسان التي أصبحت، بالرغم منا، عملة العصر ومنطقه وقبلته. الشخص الوحيد في الترويكا الذي كان بامكانه ان يقود قاطرة التنوير بحكم مراجعه الحقوقية، نقصد الرئيس المرزوقي، ارتد الى حساباته السياسية الانتخابية، ومضى مثقلا بحاشية محافظة، يحقق معادلة الاسلام والحداثة في بدائيتها التي طرحها يوما شكيب ارسلان عندما طرح سؤال: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟!

استقبل المرزوقي في قرطاج رموز السلفية في الوقت الذي كان يكرم فيه رواد التنوير. لا الى هؤلاء ولا هؤلاء، طبق المرزوقي مسك العصا من الوسط دون بدائل فكرية حقيقية هذا فضلا عن كونة  كان مكبلا بمنظومة الصلاحيات المحدودة التي اخضعته اذا لم نقل قتلته في دوامة حساباته الانتخابية.

في كلمات قليلة، ثورة التونسيين كانت عرجاء لانها لم تحمل افكارا ولا مراجع حقيقية ولا مضامين. وهي على المثل العربي، أخبط من حاطب ليل. واذا اسثنينا فضيلة اسقاط الاستبداد، لم يكن هناك لا مفكرون ولا افكار تقود الثورة وتلهمها. بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام بن علي يجد التونسيون انفسهم في نقطة الصفر أو بنسبية أكبر قريب منها. لم يتحقق حلم التنمية وبقيت البلاد تتخبط في مستنقع الاستقطاب الثنائي بين الاسلاميين والعلمانيين.

لا شيء ينبأ ان الحكومات القادمة قادرة على تغيير المعادلة. الهجانة هو وصف الوضع الثقافي والاجتماعي الحالي. النقاب والحجاب واخر موديلات تسريحات الشعر، شعارات التكبير وراية العقاب، رمز الاممية الاسلامية،  مع شعارات التحرر والاعلام الحمراء، رمز الدولة الوطنية الحديثة. 

باسم الخصوصية يتذرع البعض لايجاد نموذج يبرر الوضع الحالي. كلام جميل عندما تؤدي هذه الخصوصية الى حالة تعايش وتطور طبيعي. للاسف، الواقع غير ذلك، خصوصيتنا تنتحر وارتكبت فيها حماقات واغتيالات وتنبعث منها رائحة الغدر والضرب من تحت الحزام.  

كل ثورة وانتم بخير. 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.