“دستوبيا 13 لمحمد بوكوم” .. حينما يحرّك أدب المدينة الفاسدة المياه الراكدة

 يسرى الشيخاوي- 

هو صحفي ومخرج وسيناريست وكاتب ومواطن مثقل بالقضايا، الكتابة متنفسه وملاذه وميناء السلام الذي يولي له وجهه حينما تضيق به السبل، الكلمات سلاحه الذي قارع به القمع حينما امتدت ايادي نظام بن علي لتكمم الأفواه.

محمد بوكوم، المغرّد خارج السرب على الدوام، المختلف والمتمرّد على السائد والمألوف، المؤمن بالثورة والمتشبث بأنفاسها وإن خفتت، المتتبع لأثر البؤس ليستنطق الامل من رحمه. 

بدستوبيا 13 يواصل خوض معاركه ضدّ النمطية والتكرار والاحتكار والاحتقار وكل المظاهر التي تسلعن الثقافة والإنسان والإنسانية وتخضع الاحاسيس والأفطار لمنطق السوق. 

وفي مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، قدّم الكاتب محمد بوكوم روايته التي قال إنه كتب جزءا منها بقلم الصحفي ووضع فيها تجربة عشر سنوات من الصحافة والإخراج ولامس فيها "الديستوبيا" وهي أدب الخراب ليخلق نوعية جديدة من الكتابة ويخرجها من المجال التي باتت فيه حركا على مجموعة معينة فيما ظل الباقون مستهلكين.

وفي حديثه عن تمثلات القراء للرواية، يشير إلى أنها اخترقت الطبقة الشعبية اللذين يتهمونها بأنها لا تقرأ وان شهادات القراء تحيل إلى أنها تمثلهم وفيها جانب من تصوراتهم، ملاحظا أنه استعمل لغة بسيطة وسلسة بعيدة عن التعالي وأن العربية كانت خياره لأنها لغة جميلة. 

وفي "ديستوبيا 13"، اهتم الكاتب بالجانب النفسي لما عايشه التونسيون في السنوات العشرة من الانتقال الديمقراطي والتي تأزمت أكثر مع كورونا والوفيات والحزن الطي خيم على البلاد وسط انهيار المجتمع التونسي، وإن لم يذكره صراحة لتتخذ الرواية بعدا عربيا.

مجتمع ساده الانهيار مؤسساتيا وقيميا وسيطرت فيه المافيات وضربت فيه المرأة على الملأ في التلفزيون وكثرت فيه الجرائم الغريبة على المجتمع، كيف الخروج منه بسلام دون عقد نفسية، كيف التصدي له وبناء مجتمع جديد على أنقاضه، مجتمع تجد تفاصيله في الرواية التي تحملك إلى أقصى مجتمع الخراب، وفق حديث كاتبها.

لصحافة والأدب والسينما، اجتمعوا في هذه الرواية التي حاول فيها محمد بوكوم أن يشكل ملامح كتابة جديدة تجمع بين الأدب والسينما عبر تكثيف السرد أكثر من الوصف، لتخترق هذه الرواية أوساطا أخرى لتصل إلى الحلاق والحداد والحارس وغيرهم من أبناء الطبقة غير المخملية.

إقبال شعبي على الرواية بإمكانيات بشيطة ودون حملات دعائية ودون حضور تلفزي، هو حساب على فايسبوك لا غير جعل الرواية تصل إلى كل العالم وتنفذ نسخها في ثمانية واربعين ساعة في  سابقة هي الأولى في تونس، حسب قول بوكوم.

وهذه الرواية التي تحكي الكثير من البؤس، كما يشي به الإهداء، حركت المياه الراكدة في علاقة بالموزعين والناشرين وتجليات احتقار الكتاب الشبان وعرقلتهم، وفق حديث بوكوم الذي أكّد أن بعض الموزعين انزعجوا من الناشر بعدما انقطعت بهم سبل الاحتكار والمضاربة.

فيما يخص معضلة التوزيع، يشير إلى أن التوزيع محكتكر على العاصمة وهو ما جعل الفريق القائم على توزيع الكتاب يتفق مع شركة توصيل لتمكين المواطنين في الجهات من قراءة الكتاب وتشجيعهم على ذلك، قائلا " فريق ديستوبيا عاقب الموزعين وهو مواصل في هذا العقاب ونعتقد انهم استوعبوا الدرس".

عن جلده جلدا عنيفا من قبل بعض الكتاب وعن احتقار بعض الناشرين لكتابه الأول عربيا على موقع "أمازون"، وهعن مهنة المؤلف غير المعترف بها في تونس، وعن ضرورة وضع تسهيلات في نشر الكتب، وعن أهمية تخلية الموزع عن عقلية الاحتكار، تحدّث بوكوم  الذي رفض أن يرفع في سعر الكتاب في طبعته الثانية لأن الهدف ليس ربحيا ماديا بقدر إثبات أنه بإمكان أي تونسي أن يكتب وينشر كتابه، وفق قوله.

وفي "دستوبيا 13" جلد بوكوم المنظومة ووشّح الصفحات بالتجارب اللي عايشها والتقى فيها اناسا يقاتلون من أجل الحياة ويحاولون النجاة بأنفسهم، وقدّم أجوبة كثيرة عن أسئلة لا تسكت، لذلك لم يضع صورته على الكتاب لأنه ليس ملكه بل ملك كل من التقاهم وألهموه.

*الصورة من صفحة محمد بوكوم

 

  

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.