14 جانفى 2011/ 2018: من احتراق “البوعزيزى” إلى “الموت السّريرى” للدينار

بقلم : محجوب لطفي بالهادي-

بعد أن كاد أن يتحوّل شتاء هذه السنة الاحتجاجي القارس إلى فيروس مجتمعي من نوع H1N1 مكرّر، وعوض البحث عن السبب المباشر للانتفاضة البلشفية الحمراء للأسعار خرج علينا الثلاثي الراعي للسجال والنفاق الوطني “الاخوانى” الندائى” و”الجبهوى” على الهواء مباشرة لتراشق سيل من الاتهامات  حول من صوّت “بالتفصيل أو “بالجملة” لصالح قانون مالية 2018 !؟ نقاش هابط يعبّر عن المستوى البائس للطبقة السياسية التى  قذفت بها سخرية الأقدار إلى سدّة السلطة …

قد لا نأتي بالجديد عندما نذكر بان النسق التصاعدي  للأسعار ليس وليد اليوم،  لكن كيف يمكن أن نفسّر الوثبة التضخمية الغير مسبوقة للأسعار المسجلة منذ منتصف سنة 2016 التى كانت فى حدود 4 بالمائة لتتخطى عتبة 6 بالمائة نهاية سنة 2017 ومرشحة لبلوغ مستوى 9 بالمائة موفى هذه السنة الجديدة ؟ ما علاقتها بالدينار ؟ وما الذي حصل بالضبط ليعرف الدينار هذا السقوط المدوي الذي يؤشر بأن الحقبة المقبلة ستكون سنوات من “الجمر التضخمي المستورد” بامتياز ؟

للوهلة الأولى يبدو من الواضح أن اختزال حالة “الموت السريرى”  للدينار حصرا بتقهقر كبير لجميع المحرّكات الكبرى للاقتصاد (من إنتاج واستهلاك واستثمار) تظل على أهميتها مقاربة قاصرة عن التقاط وفهم اللحظة  الراهنة لا سيما وان  العملات فى العالم بجميع أصنافها ومسمياتها تشكل أدوات فعالة للتحكم فى ظاهرة التضخم، تعدّل وفق سياسات نقدية تضبطها البنوك المركزية لكل بلد.

فمن المعلوم:

أنّ سعر صرف الدينار التونسي (TND) مقابل عملة الإتحاد الأوروبي اليورو (EUR) السبت 13 جانفى 2018 تحدد على النحو التالي:  1 يورو = 2،977 دينار التونسي.

أنّ أنظمة سعر الصرف les régimes de change فى العالم تتوزع على ثلاث نظم رئيسية : نظام قار fixe ، ووسيط intermédiaire ، ومتقلب flottant  حيث تتم مفاضلة هذا النظام عن ذاك من قبل البنوك المركزية على قاعدة خصوصية كل اقتصاد على حدة، أما نظام الصرف المتبع عندنا يعانى من فصام شديد فى الشخصية، هجين يعتمد قانونا (de jure) النظام المتقلب وعمليا  (de facto)نظام الصرفي الوسيط ؟!

انه على غرار البنوك المركزية فى العالم يتوجب على البنك المركزي التونسى – كالتزام بتحقيق نتيجة – ان يوفر الحماية الدنيا للدينار من مخاطر الانزلاق باعتباره احد العناوين البارزة للسيادة الوطنية، وهذا ما تم التخلي عنه منذ أواسط سنة 2016 وما استتبعه من موجة غلاء غير مسبوقة مهددة بسحق العديد من الفئات الاجتماعية الهشة والمتوسطة ..

ان بنية الاقتصاد التونسى هشة، استيرادية بامتياز وبالتالي فانّ أي امتناع ارادى للبنك المركزي للحيلولة دون سقوط مدوي لقيمة الدينار مقابل العملات المرجعية  مهما كانت مسوغاته يشكل جريمة موصوفة كاملة الأركان تمس بالأمن والسلم الاجتماعيين، نعيش اليوم على وقع ارتداداتها المعاشية القاسية وتعبيراتها المدمرة .

ان الترديد بان هذا انزلاق يعطى تنافسية أفضل لصادراتنا فى الأسواق العالمية يعدّ مجرد تحايل موصوف مجافى لواقع الصادرات ببلادنا التى لم تتعدى هيكليا نطاق المنتجات الفلاحية أو المنجمية بالأساس ذات المردودية والتأثير المحدود جدا على توازنات الميزان التجاري…

قبل قرابة السنتين: 

دأب البنك المركزي منذ سنوات على تحديد سعر مرجعي للدينار خلال عملية العرض أو الطلب فى سوق الصرف…

كان يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة من اجل تعديل قيمته بالرغم من تحفظات صندوق النقد الدولي فى هذا الشأن …

منذ أقل من سنتين:

بمقتضى مذكرة التفاهم التى توجهت بها السلط المالية إلى المديرة العامة للصندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماى 2016 تم اتخاذ القرار برفع اليد عن الدينار مما يسّر عملية قذفه فى المجهول …

منذ ذلك التاريخ عرفت نسب التضخم ارتفاعا جنونيا طال جميع المواد والقطاعات…

ومنذ ذلك التاريخ أيضا انتقلت ظاهرة التضخم من مجرد مؤشر اقتصادي يمكن التحكم فيه إلى غول خارج عن نطاق السيطرة فى ظل اقتصاد وطنى أكثر من نصفه تبتلعه سراديب وأنفاق الاقتصاد الموازى…

للتذكير فقط، فان الثورات والانتفاضات التى عرفتها بلادنا منذ ثورة المجبى “لعلى بن غذاهم” سنة 1864، “وثورة الخبز” لسنة 1984 و14 جانفى 2011 كانت شديدة الاقتران بتردي الأوضاع الاجتماعية للتونسيين مما استحق توصيفه بالشعب “العياش/الخبزيزت”، فالمطلوب وعلى جناح السرعة إعادة ميكانزمات حماية الدينار للاشتغال قبل فوات الأوان …

فهل من عاقل مستجيب؟

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.