الصافي سعيد: السبسي قد ينقلب على نفسه لتمرير السلطة لمن يريد.. وشفيق جراية سافر إلى ليبيا بأمر من المخابرات التونسية (الجزء الأوّل)

مروى الدريدي-

تثير تصريحاته في كل ظهور اعلامي جدلا واسعا نظرا لعمقها ومدى أهميتها على الشأن الوطني، ويطرح نفسه ناقدا قادرا على تفكيك كل شفرات المشهد السياسي الحالي، هو الكاتب الصحفي الصافي سعيد الذي يستمد حججه من مرجعية معرفية فكرية تاريخية في نقده لمجمل القضايا والمستجدات على الساحة الوطنية. الصافي سعيد تحدث لحقائق أون لاين عن "الباي الكبير" كناية عن الباجي قائد السبسي كما لم يتحدّث عنه من قبل، تحدث عن القائمات السوداء التي صنّفت فيها تونس من قبل الاتحاد الاوروبي وعن استقالة محافظ البنك المركزي التي قال إنها كانت جاهزة منذ استقالة وزير المالية السابق محمد الفاضل عبد الكافي، تحدث عن خطورة البنك الدولي على تونس الذي وصفه بناهب ومفقر البلدان العربية، وعن المعلومات التي تسرب من تونس إلى الخارج وصولا إلى قضية الجوسسة. محاورنا عرّج على قضية شفيق جراية و"كذبة" الحرب على الفساد ،كما سماها، وكشف عن إيفاده من طرف المخابرات التونسية إلى ليبيا وانتهى إلى أن القضية بعيدة كل البعد عن الفساد ولا تعدو أن تكون "قضية تخابر" بعلم ومشاركة السلطات التونسية. كل هذه المواضيع الحارقة وغيرها تحدث عنها الصافي سعيد بكل طلاقة بعيدا عمّا تعودنا به من "نخب" تونس المكبلين بالايديولجيا والسفسطة و"النفاق" في بعض الأحيان، فكان الحوار التالي:

نبدأ بكتابك (المانيفستو النداء الأخير للباي الكبير) وهو يعتبر رسالة مطولة للسبسي. هل نفهم منه أن السبسي هو المتحكم في الدولة والماسك بزمام الأمور رغم ما يقال عن محدودية صلاحياته؟

الرئيس محدود الصلاحيّات أسطورة نعيشها إلى هذه اللحظة، وقد قلتها في كتابي هذا. الرئيس في الدستور التونسي له صلاحيات ملك وهو ليس رئيسا فقط والدليل أن الباجي رغم عمره ورغم تعدد الأحزاب والديمقراطية والدستور إلاّ أنه يحكم تونس بشكل مطلق تقريبا لا أقول بشكل دكتاتوري لكن بشكل مطلق يتميز بأوجه عديدة قد تنحرف بنا إلى الدكتاتورية من جديد. ما الذي لا يملكه الرئيس؟ الرئيس هو المشرف على كل شيء، يكفي أنه المسؤول عن إعلان حالة الطوارئ، وهو يحكمنا بالطوارئ منذ أن وصل إلى قرطاج، وهو رئيس القوات المسلحة بمعنى أنه يعلن الحرب والسلام دون أن يعود إلى أي مؤسسة أخرى، وهو الذي يعين رئيس الحكومة ويختاره إن كان من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أو لم يكن وقد وقع هذا، وهو بإمكانه أن يحضر اجتماعات رئاسة الحكومة إن تمكن أو سمحت له الفرصة وهو رئيس مجلس الأمن القومي والمسؤول عنه. وللاشارة هنا فإن الأمن القومي هو الأساس وهو عقدة العقد وهو المؤسسة التي تحكم البلاد (مخارج ومداخل فضاء وأرض وباطن الأرض وبحار وغذاء وتعليم) فهذا هو الأمن القومي في العالم وهذا هو مفهومه. اذن ما الذي لا يملكه الرئيس؟ لا وجود لمحكمة دستورية حتى تعزله ولا وجود لأي مؤسسة قادرة على عزله لا يُنقض عهده ولا يخرج على عهده إلاّ بالشرعية الانتخابية.

فما هي إذن هذه الصلاحيات التي تنقصه، كل رئيس في الدنيا يمنحه الدستور صلاحيات وهو يمكّن نفسه من صلاحيات أخرى جديدة يمكن – أكرر – أن تنحرف بالسلطة نحو الدكتاتورية. أنا أعتقد أن الرئيس هو المحرك الأساسي لهذا القطار السياسي خاصة في بلد فتي وبلد من العالم الثالث فيه ديمقراطية ناشئة، ويبقى السؤال: هل يمارس الباجي كل هذه المهمات أم لا أم يمارس ما يختاره وما يراه صالحا؟ وهذه مسألة ثانية. ثانيا رأيت أن الرئيس أصبح يمارس ما أسميتها بسياسة " incestuel" السياسة المبنية ليس على الولاء فقط بل المبنية أيضا على القرابة الدموية ولدينا كثيرون في الحكومة وفي قرطاج وجل المؤسسات الحاكمة هي من العائلة. اذن أنا لا أعرف ما الذي لا يملكه الباجي حتى يقال إن صلاحياته ناقصة، ممكن المنصف المرزوقي كان يقول هذا الكلام وهذا غير صحيح  فصلاحيات السبسي كانت عند المرزوقي لكن هذا (المرزوقي) كان رئيسا مخصيّا بالزمن والمرحلة والآخر(السبسي) رئيس مخصّب بفيروس الرئاسة وبهوسها. لكن يبقى الاشكال في نوعية الرّجال فالدّول ليست فقط مؤسسات. الدول أيضا رجال وإرادات، ولو نأخذ مثال تركيا وروسيا نجد بهما مؤسسات لكن نجد أيضا الرجال القادرين على التأثير في هذه المؤسسات والانتقال بها نحو الأفضل وتحويلها أداة للبناء والتنمية، في مقابل نجد أن مؤسساتنا "راقدة وباركة" بالتعبير التونسي ورجالنا هذه هي طبيعتهم. لم يعد بداخلهم طاقة ويأتون بأفكار قديمة لمدارس قديمة وذاهبون نحو الماضي وليس إلى المستقبل.

دعكِ ممّا يقال بأن تونس دولة ديمقراطية. أنا لا يدخل دماغي مثل هذا الكلام ولا أصدقه وأنا أمامي خريطة وتاريخ يمكن أن نستخلص منهما التجارب التي تضع تونس في موقعها الحقيقي. فدون مبالغات وانشائيات وتنطعات تونس تحتاج إلى رجال. يكفينا من القوانين ومن ثقلها فقد أصبحنا عبارة عن مخزن كبير للقوانين فكل قوانين العالم لدينا لكن الدولة لا تريد التحرّك لأن رجالها مثقلون بالأفكار القديمة وبالقوانين القديمة والجديدة.

يقال إن عمر التسعين يغري على الانقلاب، هل تتوقع انقلابا على السبسي؟

(مبتسما) بالعكس عمر التسعين لا يغري على الانقلاب لأن الجميع ينتظر القدر حتى يضرب ضربته لكن أقول قد..قد ينقلب السبسي على نفسه لتمرير الرئاسة لمن يريد.

ما رأيك في سيناريو استقالة محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري؟ هل تعتقد أنه دُفع به للاستقالة؟ 

بطبيعة الحال دُفع به وممكن أن استقالته كانت جاهزة منذ أشهر وتحديدا عندما استقال وزير المالية السابق محمد الفاضل عبد الكافي، وكان الشاذلي العياري سيقال في ذلك الأسبوع إنما قيل ستحصل أزمة بشغور منصب وزير المالية والمحافظ في نفس الوقت وهو أمر سيعطل البلاد فتم العدول عن ذلك. وجاءت الفرصة الثانية ووقع اختيار اللّحظة واقتنصوها ودفعوه للاستقالة، وما سمي بتبييض أموال واتهامه بتصنيفات الاتحاد الاوروبي لتونس وتلك الخزعبلات التي لم أصدقها لم تكن السبب في ذلك. وتمّ تعيين محافظ بنك مركزي جديد (مروان العباسي) لا أحد يعرفه من التونسيين. ربما يعرفه رئيس الحكومة أن التونسيون يعرفونه وسألت العديد من مديري البنوك عنه ولا أحد يعرفه. حتى في البرلمان لم يأتوا لنا بشيء عنه.

أنا حضرت جلسات مجلس نواب الشعب ولم أر حقيقة اي شيء بخصوصه. تسمع عنه أشياء عامة من قبيل كان موظفا بالبنك الدولي. هل نمجده مثلا ونحوله إلى خبير وعالم لأنه كان موظفا بالبنك الدولي؟، وصرنا نعتقد أن المسألة مجرد خبير ومجرد شخص درس في الجامعة أو له كتب ونظريات في الاقتصاد، فنحن لا نعرف له انجازات وأنا أعرف تقريبا 15 شخصا يتقاتلون على منصب محافظ البنك المركزي ويحاولون شراء هذا المنصب لكن من يصل اولا أو تكون لديه أوراق أكثر يربح، إذن فالمسألة ليست مسألة كفاءات عالية، حتى الكفاءة العالية لن تُخرج تونس من أزمتها فيجب ايجاد برامج أخرى.

وبالمناسبة أريد التحدث عن البنك الدولي، البنك الدولي يشغل 125 ألف موظف حول العالم وهو عبارة عن ناد كبير لكل عصابات العالم ولكل ناهبي الثروات في العالم وبائعي ومشتريي غذاء ودواء العالم. هذا هو البنك الدولي. هو ليس مؤسسة خيرية بل مؤسسة ثعالب مؤسسة للمقايضات وللضغط. هو مؤسسة ملك لأصحابه من المساهمين الكبار فيه الذين هم من الأمريكان والفرنسيين والألمان واليابانيين وكل من يملك أموالا ومخطئ من يعتقد أنه كهنوت رسولي أو ناد خيري. محافظ البنك المركزي الجديد مثله مثل غيره، ستمضي عليه سنتان أو ثلاث لن يقدّم فيها أي شيء وسوف لن يقدم أي شيء ونحن رأينا مداخلته في المجلس كيف كانت ضعيفة وهو يخاطب نوابا يعلم أنهم لا يفهمون الاقتصاد وهو بدوره لا يفهم الاقتصاد الحالي الجديد، لأنه "داخل جديد" بأرقام أملكها وتملكينها. يتحدث عن كتلة نقدية تتجول في الشارع لكن ما الذي ستفعله حتى تسحب هذه الكتلة النقدية وتدخل إلى البنوك؟ ما هو برنامجك؟ والمشكل الاقتصادي ليس متعلقا به فحسب فهو متعلق ايضا بالحكومة التي ترمي أمراضها وعجزها على البنك الدولي وفي غياب اصلاحات جذرية فلن يتقدم أي شيء. البنك الدولي منذ الستينات هو أداة لتفقير العالم الثالث لا يوجد أي دولة في العالم الثالث اتبعت منهجية البنك الدولي واستفادت أو بنت تنمية وكل الدول منذ ذلك التاريخ إلى الألفينات خرجت من تحت وصاية البنك الدولي على غرار تنزانيا وأثيوبيا، بقيت 11 دولة فقط تحت وصايته من بينها تونس التي ما تزال تنتظر القروض التي يعطيها بشروط ومقايضات وشروط سياسية عالية وهو ما يفرضه المساهمون الكبار في البنك الدولي.

 وكيف تقيم التصنيفات المتتالية لتونس من قبل الاتحاد الاوروبي

؟ لا أؤمن حقيقة بتصنيفات الاتحاد الاوروبي لتونس ووضعها في القائمات السوداء، نحن لو كنا دولة تبييض أموال لماذا إذن نقترض من البنوك، هذه حرب سريّة في أروقة البنوك والمال والبورصات. يأتي الاتحاد الاوروبي ويصنفك على أنك دولة لتبييض الأموال لكي تضطرّ تونس لإغلاق ورفع كل الحواجز أمام كل دولار يأتي فأين سيذهب الدولار بعد ذلك؟ سيذهب إلى الغرب، إذن هي حرب سرية تقودها البنوك الدولية والبنوك الضخمة ورجال المال من أجل الأموال التي ستأتي إلى تونس عليها ان تذهب إلى سويسرا أو فرنسا أو أمريكا. وبدأت هذه الحرب منذ أن طالب نواب في البرلمان برفع السر البنكي، فهل تونس تبيض الأموال؟ إذن ما الذي نقول عن لكسمبروغ وسويسرا ودبي وهونكونغ واسبانيا وسان مارينا وبريطانيا هل هذه الدول التي تبيض الأموال أم نحن نفعل ذلك؟ نحن تأتينا بعض الأموال من ليبيا ونقوم بإرسالها إلى دبي أو المغرب، نحن أكثر الجنود طواعية لدى الغرب نحن نخبّر عن أنفسنا ونكتب التقارير ونعطيها للاتحاد الاوروبي لأننا أصبحنا دولة تتبع الفضاء الاوروبي لكن لا نتمتع بمزاياه. أشير هنا إلى الاتفاقية الجديدة التي وقعتها تونس مع الاتحاد الاوروبي وهي اتفاقية استعمارية لو نقارنها باتفاقية باردو التي استعمرت بها فرنسا تونس، بل نجدها أهون لأنه بمقتضى هذه الاتفاقية ممنوع علينا المتاجرة مع غيرهم ممنوع أن نقترض من غيرهم وممنوع علينا فتح أسواقنا لبضائع أخرى. تونس أبرمت اتفاقية مع تركيا تدخل الاتحاد الاوروبي ومكّن أصحابه وكلابه الذين في الاعلام لمهاجمة هذه الاتفاقية إلى أن يتم إلغاؤها.

أنا كدولة يا حبذا لو أن لي اتفاقية مع روسيا والاتحاد الاوروبي ومع المغرب العربي ومع عدة دول لكي أنوّع من تجارتي ومن مصادر قوتي لكن لا يتركونك تفعل ذلك فقط تعوّل على الاتحاد الاوروبي. هل تعلمين أن صاحب المطبعة ممنوع عليه جلب الورق إلا من الاتحاد الاوروبي علما وأن أكبر منتجي الورق البرازيل واندونيسيا والصين، في حين ان الاتحاد الاوروبي يستورد الورق من هذه الدول ويبيعه لنا بأسعار باهظة مضاعفة 3 مرات، ومع ذلك لا يشترونه في تونس إلا من عند اوروبا التي لا تنتج الورق واستهلاكها كبير، وأنا أقول هذا الكلام وأعلم أنه سيكتب وينشر وسيقرأ ومن يريد الردّ فليتفضّل. لذلك فنحن فضاء تابع للاتحاد الأوروبي هم المستفيدون منه وتهمّهم ثروات أخرى واستراتيجيات اخرى يهمهم الـopen" skay" الفضاء المفتوح يهمهم ان تونس تصبح مطيعة لهم، يهمهم التحكم في الغاز والبترول والفسفاط، تهمهم الطاقة الشمسية وكيف يبقى التونسي محتاجا لهم في الغذاء ومحتاجا للزراعة ومحتاجا لاوروبا. لذلك فنحن نفكر خطأ ولسنا قادرين أن نفكر بهذا البلد لأن نخبنا تحكم مذعورة لأن هناك جزءا منها جاهل لا يعرف الحقائق "ما يقراش كتب" ولا يعرف زراعات في العالم وجزء آخر مرهون لدى الغرب وجزء آخر مبعوث من عندهم، فمن سنة 2011 إلى اليوم حكم تونس أشخاص اوروبيون وليسوا تونسيين. جوازات سفرهم أوروبية وعائلاتهم اوروبية بوصايا وبرامج أوروبية، وهم موجودون إلى الآن ونجدهم أيضا في حكومة الشاهد، لذلك الوضع يتطلب مراجعة قوية لأن تونس عليها الخروج من هذا الخوف.

بخصوص مشروع قانون تجريم التطبيع، لماذا يعتبر تمريره صعبا لهذه الدرجة؟

في إحدى المرات عند مناقشة مشروع تجريم التطبيع في البرلمان سمعت رئيس كتلة الحزب الحاكم يقول لو يمرّ قانون تجريم التطبيع سنعاقب مرّة أخرى وهذا هو نمط السياسي الذي لا يفهم السياسة، ممن يخاف هذا النائب؟ من سيعاقبه؟ هل ستعاقبه اسرائيل بالعكس. فتونس عندما تجرم التطبيع ستأتي امريكا تفاوضها لرفع التطبيع بمقابل وعندما لا تجرمه لن تعطيها شيئا، أنا أجرم التطبيع اوّلا من أجل المبدأ (القضية الفلسطينية) ثانيا بتجريم التطبيع سأجعل أمريكا وفرنسا تفاوضني وتعطيني مقابلا لذلك، هذه هي البراغماتية السياسية لماذا لا يعرف من في السلطة هذا لأنهم "بوجاديين"  وهي لفظة آتية من "poujadisme politicien"  ومنهم كثر في تونس ممّن أتت بهم الصدفة من نواب ووزراء، وهناك من درسوا في المدارس القديمة ويفكرون تفكيرا كلاسيكيّا ويأتون بأفكار جديدة وهذا بسبب الارادة السياسية المفقودة.

قلت إن موظفين كبارا في الدولة يرسلون التقارير إلى دول أجنبية، لو توضّح لنا ذلك؟.

  هناك نوعيات كثيرة منهم منذ سنة 2011 إلى اليوم منهم حتى أشخاص أصبحوا وزراء بهاتف، ورأينا سفراء يتجولون في مكاتب الوزراء وفي مكاتب الأحزاب ورأينا رؤساء أحزاب يخرجون ويدخلون للسفارات، أنا تحدثت في إحدى المرات عن مهدي جمعة عندما رأيناه يأكل اللحم المشوي مع السفير الألماني وبعد تلك الجلسة تعين جمعة وصار رئيسا للحكومة، ليس فقط النهضة من تختار وهي عندما تختار لها أشخاص تستشيرهم ولديها أناس يقترحون عليها. فالنهضة مستعدة للعمل مع من اي كان حتى تحمي نفسها هكذا هي تتصور بحكم أنها عاشت ظروفا سياسية علمتها المراوغة والمتاجرة وهي بعيدة تماما عن المبادئ لكن الزعامات "المتربية" في الخارج لا تعرف الا المفاوضات على اي شيء ولذلك مهدي جمعة عندما يحكم ليس فقط لقربه من النهضة ولكن يجب ان تكون لديه علاقات مع سفراء ودول أخرى تؤيده وتتبناه. ونرى بعد ذلك السفير الفرنسي وهو يتجول في كل مكان، هل تعلمين أنه بمقتضى اتفاقية فيينا للعلاقات الدولية فيما يتعلق بالجانب الديبلوماسي لا يحق للسفير الخروج من العاصمة وإذا كانت العاصمة كبيرة لا يخرج من ربعها ويعطونه مكانا محدّدا يتجول فيه وعندما يخرج من العاصمة يطلب إذنا من وزارة الخارجية. هذه أعراف تمشي عليها كل الدول وموجودة في اتفاقيات دولية.

لو يذهب مثلا السفير الايراني أو التركي إلى قفصة أو توزر سنرى الفضائح، لكن السفير الفرنسي ينطّ من مكان إلى آخر ولا أحد يكلّمه حتى إني قلت احدى المرات نكاد نفتح الثلاجة نجد السفير الفرنسي. وقيل إن رئيس الحكومة قام بتنبيهه لكن لم يسمعه أحد، هل يعقل رئيس حكومة يحكم في هذا البلد يرسل تنبيها لسفير لا يردّ عليه أحد ولا يؤخذ بعين الاعتبار؟ هل يعقل هذا؟. مثال آخر نجد السفارات وهي محاطة بالأسيجة والأسلاك الشائكة وأكياس الرمل هذه المظاهر غير موجودة في العالم، أنت كسفير لا تفعل كل ما تريده فهذه البلاد ليست بلادك السفارة سفارتك لكن البلاد لا فكيف تسمح لنفسك بوضع الأسلاك الشائكة وكل هذه الحراسة في سفارة في وسط البلاد؟ انت عطلت الحركة وبخّست ثمن البنايات المجاورة لك انت بذلك تلحق الضرر بالبلاد. هل نظنّ ان السفارة الأمريكية في دبي أو السعودية محروسة بتلك الطريقة او السفارة الفرنسية بالمغرب محروسة بتلك الطريقة؟ حتما لا. فهذه المظاهر لا نجدها الا في تونس وهذه هي عمالة النخبة الحاكمة لذلك لا أريد طرح سؤال تقارير ترسل إلى الخارج فكل التقارير تخرج من الادارة التونسية وإخراجها سهل. تقارير الأمن تباع في السوق مثال التقرير الذي تحصلت عليه الصحفية بخصوص قضية الجوسسة سرّبه لها الأمن وهي اشتغلت عليه وكأنهم لم يمدوها بشيء، ويخرج عليك محامي يقول لك لدي تقرير سري جدا لا يطلع عليه أحد ومع ذلك تجده لديه فمن أين له ذلك التقرير؟ بما أنه وصل للمحامي فمعنى ذلك أنه وصل إلى 20 جهة أخرى وهذا التقرير أمني وهو أخطر من تقارير بقية الادارات التي نجدها في متناول الكثيرين.

اذن ليس بالغريب عندما نتحدث عن خلية جوسسة فهذا، موجود والتقارير تصل إلى دول أجنبية وكانت تصل في عهد بن علي لكن في ذلك الوقت المعطيات الرسمية نجدها لدى أشخاص رسميين وثقات لكن اليوم المعلومات في متناول الجميع أولا بحكم تطور التكنولوجيا ثانيا أنت كسلطة لست متحكما في الادارة ولا أنت ضامن لموظفيك. فما معنى أن تكون مديرا عاما وعضوا في "الروتاري" وهي منظمة جواسيس في العالم وناد عالمي موجود في كل الأماكن ويسرب المعلومات وتستطيع عن طريقه أن تصير وزيرا، وتخلق لك هذه المنظمة  هذه النغمة حتى تأتيهم بالمعلومات والأحزاب نفسها مبنية على هذه الأفكار تدخل حزبا حتى تصير وزيرا وعندما تصل إلى الوزارة تستقيل من حزبك ورأينا جميعا أن هذا حدث. الآن رؤساء الأحزاب يدخلون السفارات ويلتقطون الصور ويقولون هذا أمر عادي. لا هذا غير عادي بالمرة. فمثلا ترامب يعاني من أن صهره التقى بأشخاص من المخابرات الروسية خارج أمريكا ويمكن أن يقيلوه إذا ثبت ذلك ومن يدخل السفارة الروسية في امريكا يمكن اعدامه والعكس بالعكس. وفي فرنسا نفس الشيء هذه تراتيب لا علاقة لها بالديمقراطية أو الحريات لها علاقة بالسيادة وحماية وطنك ومكتسباتك واستقلاليتك واستقلالية القرار في بلدك. هل يريد السياسيون اقناعنا بأنهم يذهبون الى السفير الأمريكي حتى يعطيهم قرضا مثلا أنت ذاهب لكي "تقودلو وتقدملو" معلومات كي يدعم لك جمعيتك وهل يقرر السفير الأمريكي منح القروض أو المساعدات هو يجمع المعلومات من هنا ويرسل بها إلى بلده حتى يحللوها.

كيف تقيم الحرب على الفساد التي يقوم بها الشاهد وهل تعتبره جريئا في فتح بعض الملفات؟

 لديّ فصل في رواية "المانيفستو" على الفساد تحت عنوان "فاسدون في دولة فاسدة"، منذ أن خلقت البشرية هناك دائما أناس مصلحون أو أتقياء او أنبياء يحاربون الفساد يعني ليس بجديد عندما يقول الشاهد إنه يحارب الفساد لكن يحاربه ببرامج فلكلورية فمحاربة الفساد تكون بآليات أخرى جديدة وبتكنولوجيات جديدة. أين الجرأة في محاربة الفساد هل الجرأة في القبض على 10 مهربين هم نتيجة الدولة الفاسدة، فعندما تكون الدولة فاسدة والبنوك لا تعطي القروض إلا بالولاءات والأوراق لا تخرج من الدولة الا بالولاءات والرشاوي فأنا أمشي في الطريق الآخر الذي لا توجد به إلا المخاطرة الشخصية أي طريق التهريب، أنت دولة لا تعترف بي "مسكرلي طريقي" وتزيدني في الضرائب بطريقة "رعوانية" أو تكبلني بعشرات القوانين أو لا تريد لي أن أدخل السوق لأنني سأنافسك فأنا أذهب إلى التهريب فالتهريب اذن نتيجة. كل دولة فاسدة لها تهريب عال وهذه هي القاعدة.

تحدثت في إحدى المرات على الارهاب والتهريب وقلت يوجد ترهيب ويوجد ارهاب، الارهابيون هم أشخاص متمردون على الدولة والمهربون هم أشخاص متمردون على قوانين الدولة وكلاهما متمرد لان الدولة فاسدة ويلتقون في مصلحة مشتركة وعندما يتحالفون ربما يكونون هم البديل. لذلك فإن الفساد متغلغل في الادارة والتعليم وفي صناديق الضمان الاجتماعي وفي المستشفيات والصحة وفي الدواء عن طريق تهريبه. فالمهرب لا يهرب الادوية إلا بتوصية وهو يهرب من الصيدلية المركزية والدواء يخرج على اعتبار أنه سيذهب للمستشفيات لكن يتسلّمه التاجر الذي يبيعه إلى المستشفيات. هذه هي آليات التهريب والفساد الكبير في الدولة. وما قام به الشاهد من ايقافات قام به العديد في افريقيا، فكل شخص يريد ان يحكم يقوم بعملية تصفية لمنافسيه  وعادة ما يخترع لهم تهمة الفساد ويقتنصهم واحدا واحدا وهذا ما قام به الشاهد فأنا حقيقة لم أر محاربة للفساد. الشاهد لديه في حكومته 5 أو 6 وزراء تتعلق بهم شبهات فساد وتحدثت عنهم الصحافة لماذا لم يتحرك اذن؟ وسوف لن يتحرك ولن يقيلهم، لذلك لا أعتقد أنه بإمكان الشاهد محاربة الفساد لأن له مشروعا سياسيا فهو يريد الترشح لرئاسة البلاد ويريد كسب الجميع ويجد أن الحكومة منصّة له كي يترشح وبالتالي فهو لا يستطيع أن يعادي أي شخص وما يقوم به هي مجرد "استعراضات مركانتيلية" كما أنه لا يملك برنامجا لمحاربة الفساد.

ماذا نفهم إذن من قضية شفيق جراية؟ ما حقيقتها؟

أوّلا شفيق جراية لم توجّه إليه تهمة الفساد مطلقا ووجّهت له تهمة التعاون مع جيش أجنبي، حتى الولد المخبر "القلاتي" الذي طالب التحقيق بجلبه لعلاقته بالقضية غير معروف، أين هو الآن؟ هل هو شخص متخف مجهول؟ أم شخصية حقيقية؟ هل هو مكلف من الأمن التونسي؟. شفيق جراية كان إذا سافر الى ليبيا يسافر بأمر من وحدة المخابرات التي يديرها صابر العجيلي المسجون حاليا في نفس القضية، وصابر العجيلي يتلقى الأوامر من مدير الأمن الذي استمعوا اليه، كما استمعوا إلى وزير الداخلية ناجم الغرسلي واستمعوا أيضا إلى الحبيب الصيد ومازالوا يصعدون إلى أن وصلوا إلى السبسي الذي يعلم بدوره. شفيق جراية لا يذهب إلى ليبيا دون أن يؤمن نفسه وذلك بإعلام الجهات المعنية بذهابه ولا يذهب الا بتهيئة الظروف الملائمة لذلك على اعتبار أنه ليس شخصية عادية ويمكن أن يقع له طارئ من قبيل الاحتجاز أو الاختطاف لذلك فهو لا يذهب الا إذا كان مؤمّنا نفسه، يجب أن لا نصغي إذن للأكاذيب فهم يحمونه ويدفعونه للذهاب إلى ليبيا واختبروه سابقا وقدم لهم معلومتين على الارهاب واحدة تخص أحداث بن قردان والأخرى عن عملية صبراتة، كما أنه يستغل صداقاته في ليبيا لاستيقاء المعلومات ويمد بها السلطات التونسية التي تختبرها وتحللها. إذن فهذه القضية ليست قضية فساد وهي قضية تخابر، فشفيق جراية منذ 2011 الى غاية 2015 كان ممنوعا من السفر وكانت لديه مشاكل وقضايا بخصوص قطعة أرض وعقار صفاها مع القضاء وانتهت، وفي 2015 تمّ رفع تحجير السفر عنه. كل المشكل موجود في نداء تونس فقد قيل إن شفيق جراية كان يتحكم في كتلة النداء بالبرلمان ويوسف الشاهد لديه اشكال مع الكتلة لأنها ليست في صفه وبالتالي فهو ضعيف كرئيس حكومة ويريد أن يقوي نفسه بكتلة النداء البرلمانية، واعتقد أن شفيق جراية كان صديقا لحافظ قائد السبسي وسفيان طوبال وبرهان بسيس الذين استولوا على الكتلة، وبالتالي لن يكون مرتاحا كرئيس حكومة فما قام به الشاهد ليس محاربة الفساد بل محاربة منافسيه السياسيين، فقط هذه هي القضية وأنا أتحدث من الداخل والخارج وبالمعلومات وأعي ما أقوله.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.