الخميس الأسود.. وجع في ذاكرة الوطن

دنيا الزغيدي –

مثل تاريخ 26 جانفي 1978 تاريخا فارقا في تونس ما بعد الاستقلال حيث شهدت البلاد أكبر تحرك احتجاجي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة شغلية في تونس.

ومثلت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي طبعت البلاد وقتها بانتهاج الحكومة لسياسة الليبيرالية التي أضعفت من المقدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة بالتزامن مع أزمة سياسية عرفت فيها البلاد تضييقا على الحريات وسيطرة مطلقة للسلطة على الفضاء العام ما وراء تأزم علاقة السلطة بالمنظمة الشغيلة.

تدحرج كرة الثلج

مثّل إعلان بورقيبة نفسه رئيسا مدى الحياة سنة 1975 إيذانا لبداية عصر التضييقات حيث كثفت السلطة من قمعها لأصوات المعارضة لتتم في مارس 1977 محاكمة حركة الوحدة الشعبية التي أسسها أحمد بن صالح من المنفى بعد عزله من قبل بورقيبة ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى ليهرب للمنافي وأدين 30 عنصرًا من الحركة بتهمة الاعتداء على أمن الدولة.

وفي ذات السنة منعت السلطة، في شهر جانفي عقد المؤتمر الوطني للحريات، لثلة من شخصيات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة الوزير السابق أحمد المستيري.

في هكذا مناخ سياسي مشحون عرفت البلاد أزمة على الصعيد الاقتصادي لتتصاعد التحركات الاحتجاجية للعمال وتتزايد اضراباتهم وأبقت السلطة على خيار القمع معهم لتحتد العلاقة بين المنظمة الشغلية والسلطة ليعزل وزير الداخلية خلال ذات السنة ويستقيل 6 من وزراء الحكومة.

وانعقد المجلس الوطني للمنظمة الشغيلة أيام 8 و9 و10 جانفي 1978 ليحسم نهائيا في قرار الاضراب العام خاصة بعد فشل جميع المساعي الداخلية منها والخارجية لوأد فتيل المسيرات التي عمت البلاد خاصة مدينتي صفاقس وقصر هلال.

وقد بلغت الصدامات أوجّها يوم 20 جانفي 1978 في ذكرى تأسيس المنظمة الشغيلة حيث هاجمت مليشيات الحزب الحاكم اجتماعًا بمقر الاتحاد لتثور ثائرة النقابيين ويتم اعلان الاضراب العام يوم 26 جانفي 1978.

اليوم الدامي

تلبدت سماء يوم الخميس 26 جانفي 1978 بآلاف النقابيين الذين التحموا بأبناء الشعب استجابة لدعوة الاتحاد العام التونسي للشغل للاضراب العام رفضا لتوجهات الرئيس الحبيب بورقيبة السياسية المضيقة على الحريات القامعة لكل صوت رافض لحياة سياسية تعددية واقتصادية مثقلة لكاهل الطبقة الوسطى والفقيرة عبر تبني نظام بورقيبة لسياسة الانفتاح الاقتصادي.

وكانت اجابة السلطة حينها عسكرة الشوارع عبر فرض حصار أمني وعسكري على مناطق الاحتجاج وتطويق مقرات المنظمة الشغلية ليجابه المواطنون العزل بآلاف الامنيين والعسكريين ويستعمل الرصاص الحي ضدهم فيراق الدم التونسي بيد تونسية.

“خميس أسود” قتل فيه مئات المواطنين وتضارب العدد بين التقارير المستقلة التي رجحت أنه تجاوز 300 قتيل ومئات الجرحى في حين صرحت الحكومة التونسية وقتها بأن حصيلة الأحداث 52 قتيلا و 325 جريحا هذا ولا يزال التضارب في الارقام حول ضحايا الخميس الأسود الى اليوم.

بدت البلاد من شمالها الى جنوبها وكأنها في حرب أهلية أو قاب قوسين أو ادنى منها.. حرائق ودماء تكسو ارصفتها ومسيرات تشيع جنازات القتلى… سيناريو لم يخطر ببال أكثر التونسيين تشاؤما أن يحدث لشعب تحرر لتوه من استعمار فرنسي جثم على صدره عقودا تائقا للحرية مضحيا في سبيل البناء.

وتمادت عنجهية بورقيبة لتتتالى عمليات الاعتقال بالآلاف في صفوف المحتجين من المواطنين والعمال والنقابيين جهويا ومركزيا وفي صفوف نشطاء المنظمة الطلابية فامتلأت السجون بالموقوفين وبلغت ذروة تصعيب بورقيبة بأن اعتقل قيادات الاتحاد حيث تمت ازاحة الحبيب عاشور من قيادة الاتحاد بالقوة وتنصيب قيادة جديدة موالية للسلطة ترأسها التيجاني عبيد و حوكم الحبيب عاشور أمام محكمة أمن الدولة بتهم التخريب والقتل في نهاية نفس السنة بالسجن 10 سنوات مع الاشغال الشاقة.

يوم مشهود طبع الذاكرة الوطنية الى اليوم و بقيت عدة خيوط منه مغيبة ليبقى خالدا بحروف تلطخت بدماء التونسين ومنسوب قمع لم تشهده البلاد من قبل وتدخل عسكري قمعي للجيش في الشأن السياسي ليراق بيد الجيش التونسي الذي حرر البلاد دم أبناء الوطن لتبقي المحاكمات القاسية مناخا سياسيا مشحونا بعد اندلاع أحداث 1984 أو ما يعرف اعلاميا بأحداث الخبز.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.