الأزمة الإماراتية التونسية: دوافعها غير المعلنة.. ومن المستفيد منها ؟

 

بقلم : محجوب لطفي بلهادي

 اختبار القوة الدائر إلى اللحظة – فى العلن والسرّ- بين تونس والإمارات على خلفية القرار الامارتى التمييزي بمنع التونسيات من السفر على متن أسطولها الجوى لم تتضح بعد دوافعه الحقيقية ومن المستفيد منه بالقدر الكافي.

على بعد أميال عن كلّ مقاربة شوفينية متشنجة للازمة، من الواضح بأنّ الرّواية الإماراتية  للازمة المستندة على فرضية احتمال حدوث عملية إرهابية وشيكة لا يمكن أن تصمد كثيرا عند مقارعتها بكمّ من العناصر والعوامل التالية، منها الجيوسياسى ومنها الأنثروبولجى الثقافي المغيّب تماما عن دائرة التحاليل المتداولة :

  • أنّ التعاون الامنى فى مواجهة التهديدات الإرهابية بين الدول تنظمه مدونة قواعد استعلامية وعملياتية مشتركة صارمة ومحددة، لا تخضع بأي حالة من الأحوال إلى مزاجية هذا الطرف أو ذاك أو لقرار انفرادي تستأثر به هذه الجهة أو تلك…
  • أنّ مطار “قرطاج الدولي” مصنّف فى قائمة المطارات الأكثر سلامة فى العالم وفق التدقيق الأخير التي أجرته “منظمة الطيران المدني الدولي”…
  • إنّ القرار التمييزي الاماراتى الأخير يشكّل، فى حقيقة الأمر، حلقة من سلسلة مناورات إماراتية ضاغطة على دوائر القرار فى بلادنا، منها التسويف الاماراتى المتكرر باستئناف انجاز عدد من المشاريع الاقتصادية الضخمة المبرمجة قبل 14 جانفى 2011، منها أيضا القيام بسحب سفيرها سنة 2013، أو امتناعها عن منح تأشيرات الدخول للأراضي الإماراتية للمواطنين التونسيين سنة 2015…
  • إنّ اتخاذ القرار على هذا النحو الغير مسبوق  يؤشر إلى استمرار الشعور الاماراتى بالخيبة الشديدة لزيجة المنافع المتبادلة بين “النداء” و”النهضة”  مباشرة اثر انتخابات 2014 وما أفرزه  الارتباط الكاثوليكي الندائى – النهضاوى  من تعزيز لنفوذ غريمها القطري فى المسك بأهم مفاتيح منطقة شمال إفريقيا الجيوسياسية على الإطلاق : تونس…
  • قد يكون أيضا النتيجة المنطقية للتمنّع الذكيّ للخارجية التونسية منذ انتخابات 2014 للانتصار لهذا المحور أو ذاك والذي حال دون استخدام بلادنا كحصان طروادة جيوسياسى بامتياز ضد دول الجوار (ليبيا والجزائر على وجه الخصوص)…
  • أنّ المقاربة الجيوستراتيجية لعدد من الدول الخليجية، بالنظر لما حدث بسوريا وليبيا وما يحدث اليوم باليمن، تعكس حقيقة أنها لم تتحرر بعد من سلوكيات قبلية، أميرية أو ملكية غابرة تتسم بالصّلف والمكابرة والدونية فى التعامل مع “الشقيق العربي” القادم من خارج منظومة الدول الخليجية المستأسدة… فى هذا الصدد، يبدو أنّ الطفرة الفجائية الكبرى التي عرفتها هذه الدول بانتقالها السريع والبرقي من مجرّد كيانات قبلية متفرقة تتحالف وتتناحر فيما بينها وفق مفهوم “العصبية الخلدوني” إلى مجموعة من الدول النافذة  بجرعة توسّعية عالية ساهمت فى ارتفاع منسوب “الأنا الجمعي المضخم والمرضى”  لديها…
  • أنّ أبجديّات إعادة التموضع الجيوسياسى لأيّ قوة صاعدة لا  تحتمل المصادفة كثيرا، فانّه بالتالي لا يمكن فهم تزامن الإجراء الاماراتى التمييزي الأخير مع زيارة أردوغان لبلادنا إلاّ من زاوية استباقية  تتمثل فى خلق أجواء وأنواء من التشويش والارباك للحدّ من المخرجات الاقتصادية-العسكرية التي قد تتمخض عنها  “الغزوة الاردوغانية” فى المنطقة…

بالمقابل،  من يا ترى المستفيد الحقيقي من هذه الخطوة الإماراتية غير المحسوبة ؟

بلغة “الشطرنج السياسي” سجّلت قطع الفريق المحسوب على المحور التركي-القطري تقدما على حساب المحور الاماراتى فى بلد مهووس حتى النخاع بالاصطفاف الايديولوجى ومباريات “الدربى والكلاسيكو” المثيرة…

أما بلغة “أرقام المعاملات”،  فالخطوط الجوية التركية ستقوم  حتما بالواجب وأكثر وذلك بتكفلها مستقبلا بنقل آلاف السياح الآسيويين – الصينيين على وجه الخصوص- صوب بلادنا بعد أن أصاب ناقلتنا الوطنية حالة من الكساح المزمنة…

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.