مصالحة وزواج بغير مسلم ومساواة في الميراث: السبسي يسرّع في تنفيذ وعوده الانتخابية بمباركة النهضة ودعم المعارضة

بقلم: بسام حمدي

مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية وربما المحلية، بدأ رئيس الجمهورية والرئيس الشرفي لحركة نداء تونس في استعمال أوراقه الانتخابية وتنفيذ ما وعد به أثناء ترؤسه لحزب النداء فأطلق مبكرا صافرة انطلاق السباق نحو قصر قرطاج دون أن يعلن عن ترشحه من عدمه في الانتخابات  الرئاسية المنتظر تنظيمها سنة 2019.

أولى أوراق الباجي قائد السبسي التي اعتمدها تراءت في شروعه في تنفيذ وعوده الانتخابية لضمان التأييد الشعبي  الذي كسبه وتعزيزه فقام الباجي وبصفته رئيسا للجمهورية بتعديل العقوبة المسلطة على المبتدئين في استهلاك مادة القنب الهندي “الزطلة” وهو الذي تعهد خلال حملته الإنتخابية بتقديم مشروع قانون يقصي العقوبة السجنية للمستهلكين للمرة الأولى فصادق مجلس نواب الشعب في شهر أفريل الماضي على مشروع القانون المتعلق بتنقيح جزئي للقانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات وأصبح القانون يعطي للقاضي سلطة تقديرية لتكون الأحكام أقل وطأة وخطورة خاصة بالنسبة للمستهلكين المبتدئين.

أما من الناحية الفكرية والايديولوجية، لا يخفى على كل التونسيين أن الباجي قائد السبسي لطالما كان في حملته الانتخابية يروج لرفضه للإسلام السياسي وللأحزاب المتلحّفة بغطاءي الدين والسياسة وتأكيده على مدنية الدولة فاستعاد مؤخرا مصطلح المدنيّة  وأبرزه في حوار صحفي قائلا أن “النهضة قبلت التحالف معه ولكن ليس بشروطها، مع أمل المساهمة في جلبها إلى خانة ”المدنية” ولكن يبدو أنّنا أخطأنا التقييم” ملوحا بذلك لأنصاره وداعمي حزب النداء بكونه مازال يرفع شعار مدنية الدولة كأولوية من أولياته وبكونه كان مجبرا على التحالف مع النهضة.

و في هذا التصريح برزت مسألة الدفاع عن مدنية الدولة كثاني الأوراق التي اعتمدها الباجي قائد السبسي للتأكيد على كونه ينفذ وعوده وتعهداته الانتخابية التي اُنتخب من أجلها.

وبنفس التمشي،  تجلى خلال الأسبوعين الأخيرين تسريع الباجي قائد السبسي في تنفيذ تعهداته الانتخابية جليا وواضحا فحقق أطروحاته وبرامجه اللاتنموية في ظرف أسبوع مطمئنا أنصاره على كونه لم يتغافل عن تحقيق ما وعدهم به فاتضحت سرعة تنفيذ الوعود من خلال برمجة العفو و أو ما أطلق عليه عنوان “المصالحة الادارية” مع موظفين سابقين تلاحقهم شبهات فساد وتمت المصادقة على مشروع قانون المصالحة  ونجح السبسي في الحفاظ على التأييد الذي كسبه من بعض أنصار نظام زين العابدين بن علي الذين ساندوه لكنه في نفس الوقت ربما يكون قد أخل بتعهده الأخلاقي بكونه سيكون رئيسا لكل التونسيين إلا أن قانون المصالحة قسّم الشارع التونسي إلى نصفين، مؤيد للمصالحة ورافض لها وستكون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الحكم الفيصل بين الموقفين.

وبعد يوم من المصادقة على مشروع قانون المصالحة، صدر قرار إلغاء منشور 73 المتعلق بمنع زواج التونسية المسلمة من غير المسلم رغم أن قرار الالغاء قد تم قبل موعد الاعلان عنه بايام، تم يوم 8 سبتبمر، وهو ما يوحي الى كون اختيار توقيت الاعلان عنه كان متعمدا حتى يكون الصدى الشعبي لتحقيق الوعد أكثر قوة.

وبهذا القرار، يكون السبسي قد سجل هدفه الثاني وحقق مطالب شريحة هامة من النساء في تونس التي تحرص على التنصيص على الحريات الفردية فحافظ بذلك على انتصار عدد كبير من النساء لأفكاره وأطروحاته.وقد يدعم الباجي حظوظه لدى المرأة من خلال توجهه نحو طرح مبادرة مسألة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل وستُرسل من قصر قرطاج لمجلس نواب الشعب للمصادقة عليها بمباركة “حركة النهضة الإسلامية” تحت منطق التوافق السياسي دون حصول أية تجاذبات لاسيما وأن أحزاب المعارضة ستصوت لفائدة مقترحه.

ولأن ثقله السياسي أكبر وزنا من ثقل حزب نداء تونس الذي انشق، رأى محمد الباجي قائد السبسي أن الأفضلية في طرح مبادرات وأفكار تتماشى وتتلاءم مع برنامجه الانتخابي الذي عرضه سنة 2014 أن تكون له لا لكتلة النداء في البرلمان فكانت مقترحات المصالحة وتعديل القانون المتعلق بمستهلكي “الزطلة” والغاء المنشور المتعلق بمنع التونسية بالزواج بغير المسلم والمساواة في الميراث جلها صادرة من القصر الرئاسي لا من ضواحي البحيرة.

وفي هذه النقطة، وتحديدا في تنويع مقترحاته ومبادراته ومدى تلاؤمها مع مكونات المشهد السياسي، برز نوع من “الحنكة والدهاء السياسي” لدى الباجي قائد السبسي وهو الذي كسب تأييد النهضة في مشروع المصالحة مقابل معارضة نواب المعارضة لها  في حين كسب تأييدا ودعما من شق المعارضة لأفكار المساواة في الميراث واقرار الحق للتونسية بالزواج بغير المسلم مقابل التحفظ غير المعلن لحركة النهضة عن هذه الأفكار فوفّر الحظوظ الكافية لتمرير مجمل مقترحاته ومبادراته والمصادقة عليها بأريحية في البرلمان.

لكن يبدو أنّ الوعود التي أطلقها الرئيس الشرفي لنداء تونس في المجالين الاقتصادي والاجتماعي لن تجد طريقها الى التنفيذ وظلت مجرد شعارات فلم تتحقق التنمية لم وتتحسن المقدرة الشرائية كما لم يتم الارتقاء بمستوى عيش المواطن مثلما وعد بذلك السبسي أثناء بكائه في اجتماع شعبي انتظم بالعاصمة.

وفي ما يتعلق بهذه المسائل أخل الباجي بوعوده وتخلى عن برنامجه التنموي، رغم أن صلاحياته كرئيس جمهورية تبدو ظاهريا غير مرتبطة بالشأن التنموي، إلا أن الاتفاق على وثيقة قرطاج كان بموافقته وتزكيته.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.