سوق الصرف السوداء: المعركة المقبلة لحكومة الشاهد؟!

رحـمة الباهي-

تنكبّ رئاسة الحكومة ووزارة المالية خلال هذه الفترة على إعداد مشروع قانون الصرف في محاولة لإيجاد حلول للصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد ووضعية الموازنات المالية خصوصا في ظلّ ارتفاع نسبة التضخم والعجز في الميزان التجاري وتراجع قيمة الدينار وارتفاع نسبة البطالة، ولاحتواء ظاهرة الاقتصاد الموازي.

وتسعى الحكومة من خلال قانون الصرف الجديد إلى تحرير هذه السوق والعفو التدريجي عن جرائم الصرف بهدف تسهيل عمليات الاستثمار وإدماج جزء هام من السوق الموازية ضمن الدورة الاقتصادية الرسمية.

ويبدو أن هذا الإجراء لن يواجه صعوبات في تمريره خاصة وأن عديد الخبراء الاقتصاديين يجمعون على أهميته وضرورة أن يكون متبوعا باستراتيجية شاملة لضمان نجاعته.

ضرورة تقنين عملية فتح مكاتب خاصة للصرف

فالخبير الاقتصادي والقيادي في حركة نداء تونس محسن حسن اعتبر أن الضرورة تقتضي أن تتخذ الحكومة قرارا بالعفو عن جرائم الصرف مع تمكين المنتفعين بفتح حسابات بالعملة الصعبة أو بالدينار القابل للتحويل.

وبيّن حسن، في تصريح لحقائق أون لاين، أن تداعيات هذا الإجراء إيجابية وستوفر مبالغ بالعملة الصعبة قائلا إن البلاد بأمس الحاجة إليها لدعم رصيدها الذي سيقع استعماله في سداد الديون الخارجية وتمويل تحويلات للخارج بالعملة الصعبة.

وأكد أن هذا الإجراء يُعتبر من أهم الحلول للقضاء التدريجي على سوق الصرف الموازية موضحا أن جزءا هاما من تجارة العملة الصعبة يتمّ وفق إجراءات غير قانونية.

وأضاف أنه سيساعد على تقليص أهمية سوق الصرف الموازية وهذا من شأنه أن يقلّص من أهمية التجارة الموازية وسيساعد الحكومة في حربها ضدّ الفساد والتهريب.

وأكد محدثنا أن سنّ قانون للصرف لا بدّ أن يكون مصاحبا بإجراءات أخرى أهمها تقنين عملية فتح مكاتب خاصة للصرف مبينا أن هذا الإجراء معمول به في جلّ دول العالم.

وتابع قائلا إنه عوض تداول العملة الصعبة بطريقة غير قانونية يقع تداولها في مكاتب شريطة أن تكون مراقبة من قبل السلط النقدية والبنك المركزي حتى يساهم في القضاء تدريجيا على سوق الصرف الموازية.

وأوضح أن تحرير سوق الصرف والعفو عن جرائم الصرف كان عملية ناجحة في المغرب ووفّر 2.5 مليار دولار للدولة المغربية مشيرا إلى أنه بغضّ النظر عما يتوقع جنيه ماليا من هذا الإجراء في تونس فإنه إجراء ضروري للقضاء على سوق الصرف الموازية ولكن لضمان نتيجيته لا بدّ من أن تتوجه تسبة من المعاملات المصرّح بها إلى خزينة الدولة، وفق تصريحه.

وجدّد محسن حسن تأكيد ضرورة السماح للمنتفعين بفتح حسابات بالعملة الصعبة والدينار القابل للتحويل.

المداخيل قد تصل إلى مليارات الدينارات

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الصادق جبنون لحقائق أون لاين إن مسألة الصرف مسألة شائكة وتمثل إحدى أهم العقبات أمام الاستثمار لافتا إلى ضرورة تجاوز التصريحات المجردة والقيام بمراجعة شاملة لمجلة الصرف الصادرة سنة 1976 والتي لم يتمّ تنقيحها سوى مرتين الأولى سنة 1994 والثانية عام 2011.

وأكد جبنون أن منظومة الصرف تجاوزتها كلّ المعايير الدولية مما أدى إلى تغوّل واستقواء القطاع الموازي وإقصاء المؤسسات التونسية من ميزات منظومة الصرف الحرّ لافتا إلى أن آخر مثال على ذلك هو عدم الاتفاق مع شركة “باي بال” (PayPal).

وبيّن أن تحرير سوق الصرف يتطلّب مقترحات قانونية تتجاوز التصريحات المجرّدة موضحا أن تحرير هذه السوق سيمكن التونسيين من الادخار بالعملة الصعبة.

وأبرز أن مزيد تحرير منظومة الصرف سيسمح باستهداف الجزء المخفي من الاقتصاد تحت عنوان الاقتصاد الموازي مشددا على ضرورة رفع تنافسية تحويل الأموال من قبل الجالية التونسية المقيمة بالخارج والمستثمرين والمودعين المحليّين إذا ما تمّ السماح لهم بتخفيض العمولة البنكية عند إيداع العملة الصعبة في الحسابات أو عند تحويلها إلى تونس.

وأشار جبنون إلى أن المداخيل الناجمة عن هذا الإجراء ستكون هامة وقد تصل إلى المليارات من الدينارات.

لا بد من معالجة شاملة

وفي سياق متّصل، ذكّر الخبير الاقتصادي لطفي بن عيسى بظاهرة سوق الصرف السوداء التي انطلقت من الحدود التونسية وبشكل خاص الحدود الجنوبية ووصلت إلى العاصمة مبينا أنه وقع التفكير في تأطير هذه الظاهرة في إطار هيكلة الاقتصاد الموازي من خلال إدراجها في نقاط تقنية بهدف إدخالها في الدورة الاقتصادية الرسمية.

وقال بن عيسى، في تصريح لحقائق أون لاين، إنه إذا كان هذا هو مقترح الحكومة فلا بدّ من إدراجه في إطار معالجة شاملة مؤكدا في الآن ذاته أن تقنين سوق الصرف وتأطيره بإجراءات أفضل من تركه خارج السيطرة.

واعتبر أن هذه الخطوة تبقى جزئية طالما لم تدخل في معالجة شاملة موضحا أنه على الحكومة أن تبلور خطة لاستدراج مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والتجاري الموازي في الدورة الاقتصادية المهيكلة بما فيها صرف العملة الصعبة.

وشدد على أن معالجة مسألة الصرف بصفة جزئية لن يجني أية ثمار طالما أن النشاط التجاري لازال خارج السيطرة مضيفا أنه حتى عند إعطاء الغطاء الشرعي فلن يتوجه إليه المعنيون إلا عند هيكلته من جميع الجوانب.

وأكد ضرورة فتح آفاق للنشاط التجاري والتصدي للسلع المهربة الفاسدة والمقلدة والتي تضرّ بالاقتصاد التونسي والحدّ من عمليات التوريد العشوائي.

وختم لطفي بن عيسى بالقول إن المعالجة الجزئية دون رؤية لن يكون لها أي جدوى معتبرا أن إجراء تحرير سوق الصرف في حدّ ذاته أمر إيجابي ولكنه دون معالجة شاملة ستكون مردوديته محدودة ومشددا على ضرورة التحكم في العملية من ألفها إلى يائها.

نحو تحرير السوق والعفو التدريجي عن جرائم الصرف

هذا وكان المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة المكلف بمتابعة المشاريع والبرامج العمومية رضا السعيدي قد أفاد بأن الحكومة تتجه نحو تحرير سوق الصرف والضغط على السوق الموازية.

وبيّن السعيدي، في حوار مع إذاعة الديوان أمس الاثنين، أن مشروع قانون الصرف الذي تعمل عليه الحكومة يقوم على تقنية عملية الصرف والتسوية التدريجية لوضعيات من يمتلك مخزونا من العملة الصعبة قائلا إن هذا القانون هو نوعا ما قانون عفو على خطايا الصرف.

وأوضح أنه سيتمّ إدماج من يعمل في السوق الموازية ضمن السوق الرسمية.

وقدّر أن هذه الإجراءات ستساهم في توفير مئات ملايين الدنانير لميزانية الدولة مشيرا إلى أن مشروع القانون المذكور يتضمن جانبا تحفيزيا وجوانب ردعية.

تجنيب المؤسسات تحويلات غير قانونية للعملة

يذكر أن كنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية “كوناكت الدولية ” قد طالبت في بيان لها مؤخرا الحكومة الى مراجعة قانون الصرف والتجارة الخارجية (قانون 1976) وجعله اكثر ملاءمة لواقع عمل الشركات التونسية بالخارج وتجنيبها طرقا غير مشروعة لتحويل عائداتها الى تونس.

وأوضحت كوناكت أن هذا المطلب ياتي استجابة للاشكاليات التي تواجهها الشركات التونسية المتنتصبة بالخارج والمتعلقة باجراءات الصرف وتحويل عائداتها من العملة الصعبة ولمحتوى الاتفاقيات السابقة التي تتناقض مع الواقع والاستثماري لتونس.

وأشارت الى أن عملية تحويل الاموال بطرق غير قانونية يعرض الشركات الى تتبعات عدلية “مرفوضة” تمس من صورتها في السوق دون تقديم معطيات عن حجم هذه التتبعات وحجم تحويلات هذه الشركات.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.