عَرْضُ الصهيوني “بوجناح” في متحف قرطاج.. وجَوقة الأكاديميّين التّطبيعيّين.. وَمِشجب “حُريّة التعبير”!

صارَتْ المَسْألةُ الفلسطينيّةُ في الوعي الإنسانيِّ العالميّ أيقونةً تَتَصَدَّرُ عَقْلَ ووجْدانَ كُلِّ مَعْنِيٍّ بالعدالة وَمُقاوَمَةِ الظُّلمِ على وَجْهِ الأرْضِ، كَوْنَها أقْدَمَ مَظلمة تاريخيّة مُسْتَمِرَّة تَتَحَمَّلُ مَسؤولِيَّتَها البَشَريَّةُ قاطِبَةً بْمُختَلَفِ أجيالِها ضدَّ الشَعْبِ الفلسطيني الذي ينزفُ مُعاناةً وَدَماً تَحْتَ الاحْتِلالِ وَفي الشَّتاتِ منذ ثلاثيناتِ القَرْنِ المُنْصَرِم.

إلا في تونس 2017 

فَبَعْضُ الأكاديميّات والأكاديميّين مِن "تقنيّاتِ وَتَقنيّي المعرفة" الذين يتبَوَّأ بَعْضُهُم المَناصِبَ في بَعْضِ جامِعاتِها ، والمَحسوبات والمَحسوبين  على "الثقافةِ" وَيتَبَوَّأ وتَتَبَوَّأ بَعْضُهُم وَبَعْضُهُنّ  بَعْضَ المناصبِ في "وزارتِها" ، لم يكتفوا بزيارةِ الكيان الصهيوني (قَبْلَ الثّورة) عندما كانت جامعات "تشيلي" تقاطع جامعات "إسرائيل" ، ومنظمة "ميسا" العالميّة التي تضمّ 30ألف مُحاضِر في موضوع "الشرق الأوسط" تُقاطِعُ "إسرائيل " ، وَلَمّا كانت جامعةُ "جوهانسبرغ" الجنوب أفريقيّة تقطع علاقاتها نهائيّاً مع جامعة "بن غوريون" الإسرائيليّة استجابةً لبيان وقّعَهُ 400أكاديمي جنوب أفريقي يُدينُ دَوْرَ المُؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة في "إنتاجِ الأبحاث والتكنولوجيا والحجج والقادَة للحفاظِ على الاحتلال" ، بل إنَّ أكاديميي تونس هؤلاء ذاتُهُم أنفُسُهُم  بَعْد "الثّورة" يُصدِرُونَ بياناً ضدَّ الدّعوات الوطنيّة التي صَدَرَتْ عن هيئات وأحزاب وجهات نقابيّة تُمَثِّل الأغلبيّة الكميّة والنّوعيّة للشعبِ التونسي ، تُطالبُ بإلغاءِ عَرْضِ الفكاهي الفرنسي مِن أصلٍ تونسيٍّ "ميشيل بوجناح" الذي يُقامُ  في متحفِ قرطاج يوم19/07/2017،لأنّه يعدُّ نَفسَهُ صهيونيّاً أوّلاً .

لقد أصْدَرَتْ هذه المجموعة  الفرنكوفونيّة مِن "تقنيي المعرفة" وَمُعْظَم أفرادها ينتمونَ إلى ذات الجامِعة ، بياناً ضدَّ بيان الاتحاد العام التونسي للشغل خاصّة ، الذي دعا إلى إلغاء عرْض هذا "البوجناح" الصهيوني في مهرجانِ قرطاج الدولي ،

مُتَذَرِّعينَ  ب" حريّةِ التعبير"، قائلين في بيانهم "..  ومن حق اتحادنا أن يُعلن موقفه من بوجناح و من غيره…ولكننا لا نقبل أن نراه – وهو الذي نالَ باقتدارٍ احترامَ العالم عبْر منحه جائزة نوبل للسلام – يطالبُ السلطة الثقافية بإلغاء عرْض فني أو مَنْع فنان من إقامةِ عُروضه أمامَ الجمهور الذي اختارَ عن وعْيٍ الالتقاءَ به لأنَّ الأصْلَ في مجالِ الثقافة والفنّ هُو القبُول بتعدُّد الأذواق و الآراء و عدَم فرْض رأيٍ على حسابِ الآراءِ الأخرى". هكذا يُصبِحُ عرْضُ "ميشال بوجناح" مُجَرَّد اقتراح فنّي واعٍ  " سيساهم في مزيد إشعاع هذا المهرجان الثقافي الدولي العريق وفي مزيد التعريف بتونس كوجهة سياحية ووطن آمن استعاد أمنه وعافيته" حسب البيان الأكاديمي ، بينما لم يُحَرِّكْ هؤلاء ساكناً عندما تمّ إلغاء عَرْض "ديودونيه" الفنان الفكاهي الفرنسي أيضاً ولكن مِن أصُول كامرونيّة والذي كان يُفْتَرَضُ أنْ يُقامَ

يوم17جوان/حزيران2017 بفضاءِ "قبّة المنزه" في العاصمة التونسيّة ،وَلَمْ تُعْرَفْ حينَها ، أسباب الإلغاء الذي سَكَتتْ عَنْهُ وسائلُ الإعلام.

إلّا أنَّ الفضيحةَ ذاعتْ الآن في مُفارَقة مُقَزِّزَة

إنَّ ميشال بوجناح الفرنسيّ – التونسي الذي يعتنق الديانةَ اليهوديّة  ،سَبقَ وأنْ ألغِيَ أحَدُ عروضِهِ المُبَرْمَجة قبْلَ سنواتٍ في إطارِ "مَهرجان الضَّحكّ" بالعاصمةِ التونسيّة أيضاً على أَثَرِ حمْلةٍ ضدَّهُ ، ولكنّه ليسَ مَرْفُوضاً لأنَّهُ يهوديّ ، فالراحل "جورج عدّة" كانَ يهوديّاً تونسيّاً ومِن أبْرَزِ مُناضِليّ الاتحاد العام التونسي للشّغْل اليساريّين وقد تَشَرَّفْتُ بزيارتهِ في منزلِهِ أكثر مِن مَرَّة وكانَ له مواقف ورؤية استراتيجيّة ضدّ الصهيونيّة  وكيانها "إسرائيل" لا تقلُّ جذريّة عَن مواقف الزعيم اليساريّ الفلسطينيّ الراحل الدكتور "جورج حَبَش" ، وللتأكُّد مِن ذلك يُمْكِن مُراجَعَة بُحُوث ومقالات "جورج عدّة" في صحيفة "الشعب" لسان الاتحاد العام التونسي للشغل . لكنّ الفكاهي الفرنسي من أصلٍ يهوديّ تونسي على النّقيضِ مِن ذلكَ تماماً ،  فقد عُرِفَ بِمُسانَدَتِهِ لجيشِ الاحتِلالِ الصهيوني الذي يكسرُ عظامَ الأطفال الفلسطينيين ويهدمُ منازلهُم على رؤوسهم ، وَقَدْ سَبَقَ لهُ  أنْ عَدَّ الإسرائيليين "أقرب إليه من كل الشعوب" بما فيهم الشّعب التونسي طبعاً، وَحَمَّلَ الفلسطينييّن مسؤوليّةَ تعرُّض أبنائِهم لرصاصِ الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً "إنهم يدفعونَ بأبنائهم إلى القتْلِ مِنْ خلالِ حَمْلهِم الحجارة لقذف الجيش الإسرائيلي بها" ، وكانَ يقودُ مُظاهرات تأييد لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وفي حوار صحفي سابق مع موقع jssnews الإسرائيلي لم يكتفِ "بوجناح" نفسه ذاته بالإعرابِ عن إعجابِهِ بالسّفّاحِ أربيل شارون ووصْفه إيّاه برجل السّلام ، بل صرَّح مُتباهِياً : "أنا بطل صهيوني، صهيوني من أجل سلام إسرائيل".

أمّا الفنان الفكاهي الفرنسي من أصول كامرونية "ديودونيه"  فَقَدْ ألغيَ عَرْضُهُ في تونس فجأةً و بدون تبرير ، ليتبيّن لاحقاً أنّ هذا المُناضِلٌ مِن أجل الحُقُوق والحُريّات ،  أعلنَ الحربَ على الصهاينة منذ مدّة بفنّهِ وبمَواقفِهِ، ولذلكَ يُحاصَر في فرنسا، وَتُلْغَى عُرُوضُه، بِتَواطُؤٍ مِن وَسائلِ الإعلام الفرنسيّة. ولذلكَ أيضاً لم تتحرّكْ شَعْرَةٌ مِن رأس الحرْص الأكاديميّ على "حريّةِ التعبير" عندَما ألْغيَ عَرْضُهُ بضغط صهيوني  في تونس كما يتكشّفُ مِن تصريحِ رجل الأعمالِ التونسي من أصل يهودي "إيلي الطرابلسي" عندما زَعَمَ بأنَّ ديودونيه " يَحمِلُ خطاباً تحريضيَّاً ضدَّ اليهود " وأنّ "الحملة المُطالبة بمَنْع عرْض المُمثل الكوميدي بوجناح بتونس، تَصْفيةٌ حساباتٍ ، حيث ينتقمُ بعْضُ أنصارِ الممثِّل الكوميديّ الفرنسي ديودوني لهُ لأنَّهُ مُنِعً سابقاً مِن القدُوم لتونس" حسب "هافت بوست عربي".

هكذا التّهمة جاهزة ، مَنْ يُناهِضُ الصّهيونيّة فهُوَ "مُعادٍ للساميّة" وبالتالي يسقط شعار "حريّة التعبير" ، علماً أنّ الأمر ليسَ أكثر مِن تعلّة عند الفرنكوفونيّين الأتباع الأمَّعات الرّويبضات ، لكنّ الفرنسيّين الأصلاء أحفاد "جان دارك" وَ "شارل ديغول" و"جان جينيه" وَزُملاء "آلان غريش" لهُم  رأيٌ آخَر في هذا المَفْهوم ، فَهٌم يُدْرِكُون أنّ الإبداع نَشاطٌ إنسانيٌّ حُرّ لا يُمكن أنْ يهدفَ إلى غير تَقَدُّمِ الإنسانِ وَخَيره وَحقّه بحياةٍ كريمة في وَطَنٍ حُرّ ، ولذلكَ وَجدَ السادة الفرنسيّين أنْفُسَهُم مُنسجمينَ تماماً مع مبادئ "الثورة الفرنسيّة" وَهُم يُقاطِعُونَ حفْلَ الكوميدي "آرثير" المَعْرُوف بِمَواقِفِهِ المُسانِدَةِ للصهيونيّة وبِتأييدِهِ للعُدوانِ الإسرائيلي على غَزّة ، وَلم يحن الوقت بَعْد حتى على المُصابين بالزّهايمر السياسي كي يَنْسوا الطلبة الفرنسيين الذين غادروا مَكانَ ندوة مُنْعَقِدة في جامِعَتهم حين دخلت سفيرة تل أبيب المكان ، طبعاً ليسَ احتِجاجاً على كونها تعتنق الديانة اليهوديّة إنّما احتجاجاً على سياسة "إسرائيل " الاستعماريّة الاستيطانيّة القمعيّة النازيّة العنصريّة ضدّ الشعب الفلسطيني.

إنّ الفنّانين الحقيقيين لن يقفوا على الحياد إزاء المجزرة الصهيونيّة  ضدّ الشّعب الفلسطيني التي لم تتوقف منذ أكثر مِن ثمانين عاماً ، فما بالكَ بِمَن يُسانِدُ المجزرةَ كهذا النازيّ الجديد "ميشال بوجناح" ، لذلك لم يتردد فنانون عالميّون كبار مثل "بريان إينو" و"ألكسي سايل" و "ريتشارد آشكروفت" و "ريز أحمد" و"ميريام ماغوليز" و"كين لواش" و"روجر" و "وترز وليام كانينهام "  في توجيه رسالة إلى صحيفة "الغارديان" البريطانيّة على أعقاب العدوان على غزّة سنة 2014يعلنون فيها مقاطعة الكيان الصهيوني ،لِتشملَ المُقاطعةُ عدم قبول الدّعوات الموجهة من "إسرائيل" وعدم قبول التمويل من أي مؤسسة إسرائيلية مرتبطة بالحكومة الإسرائيلية ،رافِضين مِن أعماقِ ضمائرهم الحُرّة الحيّة ، ضمائر المُبدِعين الحقيقيين أنْ ترى عُيونُهُم  “الكارثة الفلسطينية مازالت مستمرة”.

مُشيرين إلى اعتداءات الحكومةِ الإسرائيلية على المؤسسات الثقافية الفلسطينية ومنْع العاملين في المجالِ الثقافي من حريّة الحركة، في حين تُقَدِّمُ الفِرَقُ المسرحية الإسرائيلية عروضاً في المُستوطناتِ في الضفة الغربية المحتلة، وهي الفِرَق المسرحية نفسها التي تقوم بجولات عالمية كشكْلٍ من أشكالِ الدبلوماسية الثقافية، دعماً للمنتج الإسرائيلي.

وقالوا في رسالتهم إنه إبّان حُكْم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أعلنَ الموسيقيّون أنّهم لن يُشاركوا في أداءِ أغنية "صن سيتي".

وأضافوا: "والآنَ نحن نقولُ لن نعزفَ موسيقانا في تل أبيب أو نتانيا أو عسقلان أو مستعمرة آرييل، ولنْ نقبلَ جوائز أو نحضرَ معارضَ أو مهرجانات أو مؤتمرات أو نُدير ندوات وورش أعمال".

إذَنْ كَفى هذا الاستِخدام الرّخيص لِفَزّاعة "اليهودي" عندما يَتَعَلَّقُ الأمر بِمُساءَلَةِ اليهودي التونسيّ الذي يُعْلِنُ ولاءَهُ للصهيونيّةِ وَكيانها العنصري في فلسطين المُحْتَلّة ، فاليهوديّ الذي يَنْتمي إلى "إسرائيل" أوْ يُدافِعُ عن سياساتها ضدّ الشّعب الفلسطينيّ بل ضدّ شُعُوب المنطقة عموماً وبالتالي ضدَّ الإنسانيّة يجب أنْ يُعامَل كمرتكب جرائم ضدّ الإنسانيّة، مَثَله مثَل القَتَلة التكفيريّين الإرهابيين وَمَن يُمَوِّلهم ويُسَلِّحهُم وَيُجنّدهم وَيخلق البيئة الفكريّة والاجتماعيّة والنفسيّة المُلائمة لاحتِضانِهم ، وبالتالي مِن الطبيعي أن يتلقىّ ّإرهابيّو "جبهة النصرة" و"القاعدة" الذين يُقاتلونَ ضدَّ الدولة الوطنيّة السوريّة الدعمَ العسكري مِن "إسرائيل" ومُعالجة جَرْحاهُم في مَشافي تل أبيب ، لأنَّ "أسرائيل" وَ"داعش" شقيقان وُكِدا مِن ذات الرّحم ولهما "الجينات" ذاتها ، فَالكيان الصهيوني تأسّس بأعمال تنظيماتٍ يهوديّة تكفيريّة تعتنق خرافات دينيّة مُتَطَرِّفة تُبيحُ لها أن تطرد وتقتل وتسطو على أرض "الأغيار" الفلسطينيين ، تماماً كأعمال التنظيمات الإسلاميّة التكفيريّة الإرهابيّة التي تعتنق خرافات وهابيّة تُبيح لها أنْ تقتل وتهدم وتسْبي وتحتلّ أراضي "الأغيار".  

وإذا كانَ الكاتب البرتغالي "جوزيه ساراماغو " قد قال : إنَّ "القَتْلَ باسْمِ الله يَجْعَلُ الله قاتِلاً" فَحَريٌّ بِنا أنْ نعدّ الذي يُسانِدُ القَتَلةَ قاتِلاً .  

وهُنا يلفتُنا أنّ اليسار التونسي الذي انْزَلقَ في "مَسارٍ" غامِضٍ إلى مَهاوي "الليبراليّة الجديدة" يَبدو مُخْتَلِفاً مع اليمين الإسلامي الإخواني في الصراع على شَكْلِ "السلطة" السياسيّة التابعة للغَرب (الأوربي أو الأمريكي)، لكنّهما مُتِّفقان في تَجَنُّب أي مَوقفٍ قد يُثيرُ حفيظةَ الدوائر الصهيونيّة في الغَرْب وخاصّة تلك المَواقف المُتَعَلِّقة بِمُقَدَّسِهِم الجديد المُعاصِر "إسرائيل"، وقد تأكَّدَ ذلكَ لِكُلِّ مَن يُراقِبُ تَحَوُّلات الوضع التونسي بَدْءاً مِن مَعركةِ "إدراج بُنْدٍ في الدستور التونسي يُجَرّمُ التطبيع مع العَدوّ الصهيوني" في "المجلسِ التأسيسي" وُصُولاً إلى "هَمْروجة" عَرْض "ميشال بوجناح"، إنّهُ  المَوقف نَفْسُهُ المُساند للتطبيع مِن "اليسار ذي المَسار الليبرالي" وَمِن "حركة النهضة" مَعاً .

لِنَعُدْ إلى "تقنيي المَعرفة" مِن أكاديميي تلك الجامعة ذات الهوى الفرنكوفوني الصهيوني ، فنُذَكِّرُهُم بأنَّ المُفكِّر اليهودي "الحسيدي" الروسي "إحاد هعام" فيلسوف "الصهيونيّة الرُّوحيّة" والمُنافِس الفعليّ آنذاك ل"تيودور هرتسل" على زعامةِ الحركةِ الصهيونيّة، وعالم الفيزياء الأشْهَر في القرنِ العشرين اليهودي "ألبرتْ أينشتاين"  ، تَفَوَّقا أخلاقيّاً على أكاديميّي التطبيع مع هذا الكيان غير الطبيعي.

ففي العَقْد الأوّلِ مِنَ القَرْنِ المُنْصَرِم قال "إحاد هعام" بَعْدَ زيارة قامَ بِها إلى فلسطين : " إنَّ في فلسطينَ شَعْباً ، وَهِيَ ليسَتْ أرْضاً بِلا شَعْبٍ لِشَعْبٍ بِلا أرْض".

وَفي العَقْدِ الخامس مِنَ القَرْنِ ذاتِه وَقَّعَ "ألبرْت أينشتاين" مع 24شخصيّة يهوديّة مرموقة على بيانٍ نَشَرَتْهُ صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 04/12/1948، عَبَّرَ بهِ المُوَقِّعون عن رفضِهِم لِدَعْمِ حركة "حيروت"/"الحُريّة"(التي تمتَدُّ أصولُها إلى حَرَكَتيّ أتسل وشتيرن الإرهابيّتين)، وَعَن "قَلَقِهِم" مِن أن يحصل هذا الدعم لهذه الحركة التي هي "خلطةٌ مِنَ التَّعَصُّبِ القوميّ والتَّطَرُّف والغَيْبيّة الدّينيّة والتَّفَوُّق العُنْصُريّ" .

وفي سنة 1952 عرْض الصهيوني البولندي "دافيد بن غوريون" أوّل رئيس وزراء للكيانِ الإسرائيلي على "أينشتاين" نفسِهِ أن يكون "رئيس دولة إسرائيل" ، لكنّ عالم الفيزياء اليهودي لم يَرَفَضْ العرْضَ فقط ، بَلْ إنّ "أينشتاين" وَصَفَ أعضاءَ منظّمة "إيتسل" (مُقاتلي أرض إسرائيل) بقيادة "مناحيم بيغن" (الذي حَصَلَ على جائزةِ نوبل للسلام لاحقاً مع أنور السادات) وأعضاء منظمة "ليحي" (مُقاتلي تحرير إسرائيل) بقيادة "إسحق شامير" ، وَصَفَهم "أينشتاين" قائلاً /"إنّهم مُجرِمون".  

أمّا المفكّر اليهودي الأمريكي الكبير وأستاذ العلوم السياسيّة الشهير بجامعة "ديبول" في شيكاغو ،والذي نجا والداهُ مِن المحرقةِ النازيّة "نورمان فنكلستين" فإنّه يعتقد أنّ "المستوطنين أهدافٌ مشروعَةٌ للمُقاوَمةِ المُسلَّحة ، فإذا اقْتَحَمَ أحَدُ البالِغينَ منزلكَ بصورةٍ غير شرعيّة واستَولى عليه ، فإنَّ لكَ الحقُّ في أن تطردَهُ بالقُوَّة " ، وَذَهَبَ إلى أكثر مِن ذلكَ في وُضُوحِ موقِفهِ قائلاً : "إنّي أعتقدُ أنَّ اغتيالَ وزيرٍ في الحكومةِ الإسرائيليّة عقب قيام إسرائيل المُتكرّر باغتيالِ قادَةٍ فلسطينيين سياسيين إنّما هُوَ انتقامٌ مَشروعٌ " ، واعتمَدَ في موقفه على اعتراف "غاندي" خلال الثورة التي قادها الشيخ عزّ الدين القسّام سنة 1936بأنّ " الفلسطينيين ، تبْعاً للقواعدِ المُقَرَّرة حَوْلَ الخير والشرّ ، يملكونَ الحقَّ في استعمالِ القُوَّة العُنْفيّة لِمُقاوَمةِ الاحتلال".

إذَنْ، أنْ تكونَ يهوديّاً، ليسَ مُبَرِّراً لتأييدِ "إسرائيل" وَمساندتها… كما تُحاوِلُ "مديرة المكتبة الوطنيّة" أنْ تُبَرْطِمَ"، فَهَل تَعْتَقد السيّدة الأكاديميّة أيضاً، أنّ كوْن أي تونسيّ أو سوريّ أو فرنسيّ مُسلِماً مُبَرِّراً كافياً للتعاطُف مع "الدولة الإسلاميّة /داعش"؟ والحال أنّ "داعش" و"إسرائيل" قامتا على فكر ديني مُتَطرِّف تكفيري وأرْسَتا أسسَ "دولتيهما" بالجرائمِ الإرهابيّة. ناهيكَ عن كونهما خَرَجَتا مِن مُختَبرات الدوائر الصهيو – غَربيّة وَزُرِعَتا في منطقةِ الشرق الأوسط؟.

أمّا أن يزعمَ بيانُ "الأكاديميين" ضدّ موقف اتحاد الشّغْل بأنّ إلغاءَ عَرْض "بوجناح" سيلحِقُ ضَرراً هائلاً بالسياحة التونسيّة ، فَعَدا عن أنّ هذا التهويل لتداعيات إلغاء العَرْض لو حَصَلَتْ ، تماماً كتهويل "منذر ثابت" ومَن على غرارِهِ في ادعاء أنّ "بوجناح يُلَمِّعُ صورة تونس في فرنسا" وبالتالي إرضاؤهُ مصلحة وطنيّة ليس أكثر مِن نُكَتٍ حَمقاء في كوميديا سَوداء، فإنّنا نُذَكِّرُ بأنَّهُ بعد قرابةِ الثلاثة عقود مِن تَوقيع "اتفاقيات كامب ديفيد" المشؤومة بين "مِصرَ" وَ "إسرائيل" والتطبيع الرسمي الشامل بين "تل أبيب" و"القاهرة" ، لم يحصد الشعبُ المصري من جرّاءِ ذلكَ غير المزيد مِن الفقر والكوارث الاقتصاديّة والاجتماعيّة وصولاً إلى عَدَم الاستقرار الأمْني ، فبأيّ سراب يُحاوِلُ البَعْضُ تبرير بَيْعَ كرامةِ بلادِهِ وَشَعْبِه؟.

وإذا كانَ أكاديميّو التطبيع يُذَكّرون اتحاد الشّغْل بأنَّهُ حائز على جائزةِ "نوبّل للسلام" ، وكأنَّ هذه الجائزة تُلزِمُ الحاصلَ عليها بأن ينحني للصهيونيّةِ وكيانها البغيض ، فإنني أذكّرهُم بمواقفِ الكاتب البرتغالي "جوزيه ساراماغو" الحائز على جائزة "نوبل" للآداب سنة 1998، التي يُنَدِّد بها  بالصهيونيّة وبكيانها ، ومنها مثلاً قوله في "مذكّراته" مُزدرياً ضبّاط وجُنود جيش الاحتلال الإسرائيلي :" أولئكَ المُتخصِّصين في الوحشيّةِ ، أولئكَ الخرِّيحين في الكراهية الذينَ ينظرونَ إلى العالمِ في الأسْفَلِ مِن قِمَّةِ الغَطْرَسَةِ التي هِيَ في جذْرِ تَرْبِيَتِهِم . إننا نَفْهَمُ الإله التَّوراتيّ بِشَكْلٍ أفْضَل عندَما نَرى أتْباعَه . إنَّ يهوه أو أيّاً يَكُنْ اسْمُه ، هُوَ إلهُ يَتَّصِفُ بالضَّراوَةِ والقُوَّةِ يُؤمِنُ بهِ الإسرائيليُّونَ بِوَصْفِهِ وُجُوداً دائماً ".  

وفي تصريحٍ لصحيفة "حقائق اون لاين" يَوم 11جويلية/تموز2017انْحَدَرَ خطابُ عميد كليّة الآداب والفنون والإنسانيات في الجامعة التونسيّة التي صَدَر البيانُ المساند للكوميدي الصهيوني عن بعْضِ أساتذتها، إلى حضيضيّةٍ غير مَسْبوقة مِنَ الابتِزاز الوَقِح عندما حَاوَلَ أنْ يُساوي بين الجلاد الإسرائيلي الذي يحتلّ فلسطينَ وبين الشّعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، وذلك بِقَوْلِهِ "إنّ قضية الإلغاء مثلتْ هاجساً لعدد من المثقفين خاصة وأنها تعلقت بمحاسبة بوجناح على خلفية مواقفه المساندة لإسرائيل وهو ما يفتح بابَ مُحاسبة فنانين آخَرين على مواقفهم من القضية الفلسطينية"،  وَذلكَ على غرار محاولة "حركة النهضة" في هجوم دفاعي على تورطها في تجنيدِ الإرهابيين إلى سوريا عندما طالبت بفتح تحقيق بشأن التونسيين الذين يُقاتلونَ مع "الدولة السوريّة" ضدّ الجماعات الإرهابيّة! فَمَن يا تُرى سيَجْرؤ على "مُحاسَبَة" التونسيين المُساندين للقضيّة الفلسطينيّة؟ إننا ننتظر لنرى.

وَبَعْدَ أن كنت أصْغي في تونس سنة 1985 إلى الممثلة الكبيرة والمناضلة البريطانية اليساريّة "فينيسيا ريد غريف" تُعَبِّرُ عَن أنّها تُريدُ أن ترى "جَحافِلَ الجماهير في شَوارِعِ المُدُنِ الأمريكيّةِ تتظاهَرُ مُنادِيَةً بِحُقُوقِ الشعب الفلسطيني"، أصبحت سنةِ 2017 أقرأ كلاماً كأنّه غَرْفٌ مِمّا يتداوَلهُ الرعاعُ، يَنْضَحُ خِفّةً وَسطحيّةً بعبارات "التنبير" السّمجة التي "تتميّزُ" بها مُعظَم صفحات الجامعيين الفرنكوفونيين التطبيعيين على "الفيسبوك"، ومن هذا الكلام ما كتبتْهُ مديرةُ المكتبة الوطنيّة على صفحتها بشبكة التواصل الاجتماعي : "لجنة مُناهضة التطبيع يجب أن تُنَظِّمَ مُظاهَرةً ضدَّ تطبيع الفلسطينيين مع العدو الصهيوني"، مُتَهَكِّمة على مَدّ الكهرباء مِن الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة  التي تُسَمى "إسرائيل" إلى أراضي "السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة" التي تُناضلُ سياسيّاً ودبلوماسيا لفرض سيادتها عليها تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية في حدود جوان/حزيران1967، لكنْ كما قال المؤرخ الإسرائيلي "زئيف ستيرنهال" إنّ ثمة عقيدة صهيونية مركزيَّة هي "عَدَمُ التخلي عن مَوقع أو أرض إلا إذا أجْبَرَتْنا على ذلك قوةٌ عُظْمى".

وسأردّ على هُراء الأكاديميّة ومديرة المكتبة الوطنية مُقتطِفاً مِن تدَخُّلِ  الراحل اليهوديّ التونسيّ العظيم "جورج عدّة" في ملفٍّ نشرتْهُ مجلة "حقائق" التونسيّة سنة 2000، ردّاً على "العفيف الأخضر" رائد التطبيعيين التونسيين المُعاصرين مع "إسرائيل" ، حيث قال "جورج عدّة"  لروحه السلام : ( لا يجبُ الخلْطُ ولا المَزْجُ بين "المُفاوضات" الفلسطينيّة – الصهيونيّة واحتمال تطبيع العلاقات بين بلادِنا "تونس" والكيان الصهيوني . يجبُ علينا أنْ نُعْلِنَ عالياً وَبِقُوَّةٍ أنّ للفلسطينيين  حَقّ اختيار تَحَرُّكِهِم وتحديد أهدافِهِم على المَدى القصير والطويل. إنَّ مِن حَقِّهِم وَحْدَهُم تقرير سياستِهِم ، وفي كُلِّ الحالات يجب علينا أن نكونَ بجانبِهِم لِنُقدِّمَ لهُم كما فَعَلْنا دائماً الدَّعْمَ والتَّضامُنَ . لكنْ ليسَ مِن الضّروري بالنسبةِ إلينا أن نَنسَخَ مَوْقِفَنا مِن مَوقِفِ الفلسطينيين ، فإبرامُ اتِّفاقٍ مع "باراك" يعدُّهُ الفلسطينيّون "مُهِمّاً" لا يجبُ أن يَفرضَ علينا أيَّ إلزامٍ بإرسالِ سفيرٍ لنا إلى الكيانِ الصهيوني . فبإحجامُنا عن الاعترافِ بالكيانِ الصهيوني وَعدَم "تطبيع " العلاقاتِ معه ، وَعَدَم الاتصالاتِ بالجامِعاتِ الصهيونيّة ، نُقَدِّمُ في تونس شَعْباً وَحُكُومةً الدَّعْمَ الدّائمَ لِنِضالِ الشعب الفلسطيني المُتَواصِل مِن أجْلِ تَحَرُّرِهِ الكامِل).

في شيكاغو يُخاطبُ الأستاذ الجامعيّ اليهوديّ الأمريكيّ "نورمان فنكلستين" طلَبَتهُ قائلاً : "قَبْلَ أنْ ينامَ أيّ واحدٍ مِنّا يجب أن يسألهُ ضميرُهُ : ماذا فَعَلْتَ اليومَ مِن أجْلِ فلسطين؟" . ولكن خطابَ أساتذة تلكَ الجامعة الذينَ يخفقُ قلبُهُم على "ميشال بوجناح" وما يُمَثِّلُه، يَدْفَعُ طَلَبَتهم للأسفِ إلى أن يكون موقع "إسرائيل تتكلّم بالعربيّة" مَصْدر معلوماتِهم التي تعجُّ بها صفحاتُهم غلى "الفيسبوك" ، ليس معلوماتهم عن القضيّة الفلسطينيّة فقط بل عن كُلِّ ما يَتَعلّق بالكيان الصهيوني وَدوره السرطانيّ الخبيث في المنطقة والعالم.

أخيراً، إذا كانَ "ألبير كامو" قد كَتَبَ منذُ عُقود: "إذا رَغبَ شَخْصٌ ما في أن يكونَ مُمَيّزاً، فيكفيهِ أنْ يقولَ مَن هُوَ"، وإ ذا كانَ الكاتبُ اليهودي الفرنسيّ "آلان غريش" يكتبُ في "لوموند ديبلوماتيك" عدد جوان/ جويلية 2017: "في جميعِ أنحاءِالعالم، يَرى المَلايينُ مِنَ الناس أنْفُسَهُم في النضال الفلسطيني"، فأنا أسألكم أنْ تَرْفَعُوا عُيُونَكُم عن جُيُوبِكُم قليلاً، وأنْ تُحَدِّقُوا في ضمائرِكُم، أن تتفَقَّدوها لَعلّ عرْقاً ما لايزال ينبضُ هُناكَ، فتَنْظُروا مِن خلالهِ إلى المسألة الفلسطينيّة، أعني إلى مُعاناةِ شَعْبٍ لايَزالُ كُلّ إنسانٍ حقيقيّ على وَجْهِ هذه الأرض يَحْرصُ على أن لا يكونَ قَدْ رَمى أو ورثَ رمْيَةَ سَهْمٍ مَسْمُومٍ فيها.   

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.