من الجراية إلى الرياحي: قضايا تعرّي قبح مشهد سياسي متعفن

لن نأتي بجديد حينما نتحدث اليوم عن أدران وشوائب علقت بالمشهد السياسي/ الحزبي في تونس بعد الثورة، وقد سبق أن أشرنا إليها في عديد المناسبات، في سياق مخاض انتقالي عسير من الواضح أنّه بات مهدّدا بولادة تجربة مشوّهة وديمقراطية فاسدة حبلى بالعاهات.

القضايا الأخيرة التي أثيرت بعد إعلان حكومة الشاهد شنّ "حرب شعواء" على الفساد وعرّابيه لا شكّ أنّها جاءت متأخرة نسبيا ومازالت تكتنفها تساؤلات واخزة حول جديتها ومقاربتها المنتهجة في تفكيك منظومة متعفنة نخرت الحياة السياسية والدولة والقيم المجتمعية برمتها.

وبقطع النظر عن طبيعة الملفات المثارة على الساحة الوطنية سياسيا وقضائيا، على غرار ملف رجل الاعمال "والناشط السياسي" الذي كان يعرف نفسه أنّه عضو بالحزب الحاكم حركة نداء تونس، شفيق الجراية، وقضيّة الاعلامي بقناة الحوار التونسي سمير الوافي، فضلا عن القرار الصادر يوم أمس الاربعاء في حقّ رئيس حزب الاتحاد الوطني الحرّ والنادي الافريقي سليم الرياحي والقاضي بتجميد ممتلكاته وأرصدته التي تقررّ احالتها على الخزينة العامة، فإن الاستنتاج الأبرز الذي يمكن الخروج به من هذه المستجدات المدوية أن المنظومة السياسية وتقاطعاتها من الاعلام والمجال الاقتصادي لم تكن سليمة وهي في حاجة عاجلة لا آجلة للتقييم العام والتطهير وتجفيف منابعها لكي لا يعيد التاريخ نفسه.

من المهم في هذا السياق التذكير بأنّ الأطراف المتهمة في هذه القضايا وغيرها مثلت جزءا من منظومة الحكم سواء داخل الائتلاف الحاكم في الجهاز الحكومي وصلب البرلمان أو في كواليس المطبخ السياسي والاعلامي الذي تطبخ فيه التسويات والمفاهمات والصفقات "التوافقية" حينا والمصلحية/الانتهازية في أحيان أخرى.

إن الاتهامات والتلميحات المتبادلة في علاقة بأن يكون شعار الحرب على الفساد مجرد واجهة خدّاعة تخفي خلفها عملية تصفية حسابات ومعركة كسر عظام محورها السلطة وغنائمها من أجل البقاء في مراكز النفوذ والقرار حريّ بنا أخذها بعين الاعتبار بحثا عن الجينات التي صنعت هذا الواقع السياسي الحالي الذي تكتنفه مثالب جمّة.

كيف يمكن مستقبلا أن يستقيم الظل ما دام العود أعوج في الحياة الحزبية وصلب المشهد الاعلامي والاقتصادي ككلّ؟ سؤال حارق يستبطن في طياته إجابات قد تكون متباينة في الجزئيات لكن المبدأ يفترض معالجة أصل الداء وهو الطبقة السياسية وثقافة وعقليات عموم التونسيين الذين فقد جزء منهم ثقته في السياسيين والفاعلين المؤثرين في الشأن العام من قبيل الاعلام والمشرفين على هياكل الدولة والمسؤولين على اعادة التأسيس لمنظومة جديدة تقوم على الشفافية وعلوية القانون وأخلاقيات وقيم المواطنة والديمقراطية حتّى نتخلص من روث سياسي وشبهات فساد تحوم حول عديد الشخصيات والخيارات.

ان الهلع – والجزع – الذي بدا عند بعض اللاعبين المؤثرين في المشهد السياسي والاعلامي وعالم المال والأعمال بعد أن هرولوا لسدّ المنافذ أمام محاولة النبش في بعض الملفات والقضايا يؤكد أنّ الحرب على الفساد تقتضي لزاما رباطة جأش وإرادة صادقة بعيدة عن الحسابات الضيقة والبهرج الاتصالي القائم على "البروباغندا" تماهيا مع تحديات المرحلة الراهنة التي يمرّ فيها المشروع الديمقراطي في تونس بمفترق طرق تتربص به القوى المحافظة المستفيدة من وضع الفوضى وشريعة الغاب السائدة في وضعية هي أشبه بـ"جمهورية الاصدقاء" التي عرفتها فرنسا مطلع القرن العشرين والتي اختلط فيها الحابل بالنابل بعيدا عن جوهر الديمقراطية ومبادئها النبيلة. لهذا فإن تطورات منتظرة في قادم الأيام ستزيد حتما في خلط الأوراق على الصعيد السياسي وربما قد تتسبب في تساقط المزيد من أوراق التوت عن الطبقة السياسية مثلما تتهاوى قطع "الدومينو".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.