عبد الحميد الجلاصي: يوم 17 نوفمبر 2016 كان يوما تاريخيا رأيت فيه مشهدا أفرحني وآخر أخافني وأحزنني

اعتبر عضو مجلس شورى حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، في تقييمه لانطلاق الجلسات العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة، أن يوم الخميس 17 نوفمبر 2016 كان يوما تاريخيا في تونس، إذ كان فرصة لكشف الستار، جماعيا وفي العلن، عن صفحات سود من تاريخها بحضور عدد من ضحايا الاستبداد والحقوقيين والسياسيين والاعلاميين من داخل البلاد وخارجها.

وأكد الجلاصي في تصريح لحقائق أون لاين اليوم السبت 19 نوفمبر2016، أن هيئة الحقيقة والكرامة التي لطالما تعرضت لضغوطات وهجومات وحملات تشكيك بدأت تتجاوز الأمر وخرجت من مراحل تجميع الملفات التي بلغت 60 ألفا، ومن جلسات الاستماع في الغرف المغلقة، الى جلسات الاستماع العلنية، ليدخل مسار العدالة الانتقالية منعرجا جديدا.

ووصف محدثنا هذا المنعرج بـ"مرحلة التطهر الجماعي" (thérapie collective)، مشيرا إلى أنه لا يمكن تجاوز أعطاب الماضي دون مكاشفة ومصارحة، ودون معرفة الحقيقة باعتبار أن كل تجارب التخلص من أثار الاستبداد وتشويهاته مرت من هنا، حسب قوله.

وتابع بالقول: "الجميع يدرك أننا أمام لحظة تاريخية.. ورغم عدم وضوح بقية المسار، فإن الجميع يدرك أننا أمام لحظة فارقة، نشعر فيها بالفخر، وربما بشيء من الخوف. فهل يفضي  بنا المسار إلى توحيدنا أم إلى تقسيمنا؟".

وعن قراءته لمضمون الجلسة الأولى التي حملت عديد المفاجآت وفق ما عبر عنه الرأي العام، قال القيادي بحركة النهضة إنها كانت مشبعة بالعواطف والانفعالات، معتبرا أن ذلك كان متوقعا من جلسة أولى كما هو متوقع أيضا في كامل المسار الآتي.

كما اعتبر أنها كانت حافلة بالرسائل مستدلا في ذلك بشهادة الباحث سامي براهم الذي قال إنه "صرخ وطرح سؤالا اخلاقيا وجوديا: لماذا وقع هذا؟ وصارح جلاد الأمس: اريد أن أفهم لأغفر"، فيما كان الكاتب جلبار نقاش عميقا في تحليله للدولة وسياساتها ولهرمية القمع إذ لم يحاكم وقائع وتفصيلات، بل حاكم منظومة، حسب رأي محدثنا.

وأضاف قائلا: "ولعل درة الجلسة الاولى كانت المداخلة التي افتتحت كل هذا المسار، مداخلة السيدة وريدة والدة الشهيد رؤوف بوكدوس، التي كانت حافلة بتفصيلات وقائع تصفية ابنها، و لكنها كانت ايضا محاكمة للطبقة السياسية، فقد أبرزت بلغة مباشرة وبسيطة المحتوى الأخلاقي والاجتماعي للثورة ومدت يدها ولكنها ايضا حذرتنا وهددتنا. تكلمت بضمير الجمع، وخاطبتنا مجتمعين أيضا: "أعطونا  الكرامة وخذوا الأمان…".

أما عن وقع الجلسة على نفسه بشكل خاص فقال باقتضاب: "كضحية سابقا وكسياسي، رأيت الضوء الأحمر يشتعل في وجوهنا".

وبخصوص تفسيره لطغيان شهادات الضحايا أو عائلات الضحايا ذات التوجه الفكري الاسلامي، نفى عبد الحميد الجلاصي ذلك وخير عدم الدخول في "لعبة الأرقام" قائلا إن هراوة الجلاد لا تفرق بين الأفكار والايديولوجيات، داعيا للوقوف على صعيد واحد، ليكون هذا المسار عنوان توحيد لا عنوان تفريق.

وأضاف: "وإن كان هناك من تصنيف للستين ألف ملف لضحايا التعذيب، حسب الانتماء الحزبي أو الفكري، فهو على ملك هيئة الحقيقة والكرامة"، لافتا إلى أن مسار جلسات الاستماع مازال طويلا وسيتضمن بالتأكيد عشرات الجلسات.

أما في تعليقه عن غياب الرئاسات الثلاث عن الجلسة الافتتاحية، فأجاب بالقول: "في ذلك اليوم رأيت مشهدا أفرحني وآخر أخافني وأحزنني. وحّدتنا الدموع في مقاطع عديدة والتقطت الشاشة دموع الاسلامي والليبرالي واليساري.. والدمعة لغز، فقد تدل على الفرح أو الحزن أو القهر… وحدتنا الدموع، ولكن الغياب يمكن أن يفرقنا.. هناك لا شك خائفون من مسار العدالة الانتقالية، وهناك مترددون، وهناك معرقلون، ويجب أن نطمئن بعضنا حتى توحدنا إعادة كتابة التاريخ من أجل مواجهة تحديات المستقبل".

وتابع: "لفت انتباهي غياب الرئاسات الثلاث عن حضور لحظة فارقة في مسار أسست له مؤسسات جمهوريتنا الثانية. كنت أتوقع، وكنت أتمنى حضورها لتعطي دفعا للمسار ولإعطاء رسالة مقتضاها استمرار الدولة مهما كان لون الحكام، ومقتضاها احتضان للتجربة حتى لا تنحرف، كما كنت أتمنى حضور شخصيات كبرى كانت لها ادوار أولى في دولة الاستقلال قبل الثورة".

وحيا الجلاصي في هذا السياق كمال مرجان الذي اعتبر أنه كانت له الشجاعة أن يحضر الجلسة، مذكرا إياه بحكم الصداقة التي تجمعهما بأن النقد الذاتي دليل رفعة اخلاقية وقوة معنوية، وموجها له الدعوة أن يواصل في نفس نهج الشجاعة والنضج الأخلاقي كما وجه الدعوة إلى من هم من نفس مدرسة مرجان وتجربته إلى النسج على منواله باعتبار أن العدالة للجميع، ولن تكون موجهة ضد طرف بقدر ما تطهرنا جميعا من أسوإ ما فينا وتبرز أحسن ما فينا، وأحسن ما فينا موجود في كل المعسكرات، وفق تقديره.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.