المحامي نعمان مزيد: قضية لطفي نقض.. أو مأزق المنظومة القضائية  في تونس؟

نشر المحامي نعمان مزيد تدوينة فايسبوكية…

نشر المحامي نعمان مزيد تدوينة فايسبوكية جاء فيها ما يلي:

" قضيـــة لطفي نقّض ….أو مأزق المنظومة القضائية في تونس؟؟

كرجل قانون ، لست معنيا بتقديم موقف جازم حول حكم المحكمة بحكم عدم اطلاعي على كامل أوراق الملف ..ومع ذلك فليس من المقبول منطقيا أن تكون هنالك جريمة وضحية دون أن يكون هنالك مجرم أو مجرمون…

لا تطرح هذه التدوينة أيضا معالجة الأبعاد السياسية للقضية ومحاولات الاستثمار السياسي من هنا أو هناك رغم أهمية الموضوع ..

المسألة هي التالية : كيف لدولة ترفع شعار" القضاء حامي الحقوق والحريات " أن يتمّ فيها إيداع  مجموعة متهمين لمدّة تناهز الأربع سنوات ، ثمّ يصدر الحكم بعدم سماع الدعوى ؟؟

هل مازال من الممكن الوثوق في منظومة قضائية بكل مكوّناتها : نيابة وقاضي تحقيق ودائرة اتهام ومحكمة تعقيب ، تسمح بحرمان أفراد متهمين من حريتهم ثمّ تصـــّرح المنظومة نفسها بعدم سماع الدعوى ؟؟

أليس من حق المواطن اليوم أن يتساءل : كيف يمكن أن نقبل بهذا التناقض الصارخ في الاجتهادات القضائية وتعدّد " الوجدانات " التي يحكم بها القاضي اليوم في تونس ؟؟

أليس من  المشروع اليوم أن يفتّش الباحثون في مبرّرات هذا التعارض الصارخ في  تفسير سياسي سواء لقرار الإيقاف أو لحكم المحكمة بعدم سماع الدعوى ؟؟ 

إن حكم محكمة سوسة بالأمس هو علامة انهيار للمنظومة القضائية في تونس اليوم ، ومؤشّر خطير يعرّي عجز هذه المنظومة عن حماية الحقوق والحريات ، وأن هنالك خلل في مكان ما يجعل من التقاضي في تونس أمرا يكتسي طابعا شبه عبثي ، ولكنه مأساوي أيضا . والدولة التي يحصل فيها هذا الأمر تتوٌقّف حينئذ  أن تكون دولة قانون ..بل تصبح دولة " العبث الممأسس "..

إن إبقاء مجموعة متهمين لمدّة تناهز الأربع سنوات بحالة إيقاف يعني منطقيا أن هنالك قرائن قوية على الإدانة ، أي على ارتكاب الجريمة ..بناء على أبحاث واستقراءات ومكافحات واختبارات …فكيف يمكن استيعاب أن ياتي "فصيل آخر " من نفس المنظومة القضائية ليقول : كل ما تمّ لا أساس له من الصحّة بل هو مجرّد اجتهاد خاطئ .والمتهمون أبرياء مما نسب لهم ؟؟ وماذا عن الأربع سنوات أيقاف ؟؟، ستقول لهم الدولة عفوا أخطانا في حقّكم وحق عائلاتكم ..وهذا هو معنى " العبث الممأسس" ..

سنة 2005 عرفت فرنسا قضية شهيرة تحت اسم L'affaire d'Outreau وقع فيها اتهام 13 شخصا بارتكاب جرائم جنسية ضد مجموعة اطفال وقعت إدانة اغلبهم بالطور الابتدائي وهم بحالة إيقاف ، ثمّ اتضح أن تصريحات الأولياء والأطفال كانت كاذبة وبرّأتهم محكمة الاستئناف ..فكانت القضية بمثابة الزلزال القضائي في فرنسا : تكوّنت لجنة برلمانية للبحث في سوء اشتغال( 'Le dysfonctionnement )المنظومة القضائية الفرنسية ، كما توجّهت النيابة العمومية في الجلسة  باعتذار رسمي لجملة المتهمين ، ثمّ كان اعتذار رئيس الجمهورية جاك شيراك باسم الدولة ، وأخيرا تمّ إعادة النظر في كامل المنظومة الإجرائية وخاصة مؤسسة قاضي التحقيق ، ونقّحت على ضوئها مجلة الإجراءات الجزائية الفرنسية ..

السؤال اليوم : هل وصلت المنظومة القضائية التونسية اليوم إلى هذا المأزق ؟؟ وإذا كان الجواب بنعم : هل يملك أصحاب القرار السياسي والقضائي اليوم الجرأة على فتح الباب لإعادة النظر فيما آلت إليه هذه المنظومة الجزائية والقطع مع هذا " العبث الممأسس " الصادر عن " حماة الحقوق والحريات ؟".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.