خالد شوكات يكتب لـ”حقائق أون لاين”: أحزاب ديمقراطية من أجل استكمال الديمقراطية.. النداء نموذجا

نخوض معركة إنقاذ حركة "نداء تونس" بروح بناءة…

نخوض معركة إنقاذ حركة "نداء تونس" بروح بناءة، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية الكاملة تجاه المشروع الديمقراطي، فالنظام السابق لم يسمح لنا ببناء أحزاب ديمقراطية، وظروف السنوات الأولى من الانتقال الديمقراطي ما بعد الثورة، جعلتنا نؤجل كل مرة هذا الاستحقاق بمبرر وجود أولويات أخرى أكثر أهمية، وما علينا الاعتراف به أن ما عندنا اليوم على الرغم من أهمية "الأحزاب" في الأنظمة الديمقراطية لا يعدو أن يكون مشاريع أحزاب لا أكثر ولا أقل، مرتبطة جميعها تقريبا بأشخاص رؤسائها الذين هم في الغالب مؤسسيها، وكثير منها مجرد دكاكين صغيرة لساسة لا أظنهم يقبلون أن تتحول إلى يوما إلى أحزاب حقيقية. 

ولا يعكس الحجم أو الحالة التنظيمية الجيدة بالضرورة الحالة الحقيقية، فحركة النهضة التي يضرب الناس بها الأمثال في مجال حسن التنظيم والانتشار والإدارة، وعلى الرغم من التطور العظيم الذي عرفه خطابها السياسي والفكري، ما تزال برأيي جماعة دينية في نواتها، وتنظيما حديديا حول شخص مؤسسها، ولن نعرف قدرتها الحقيقية إلا عندما تدخل مرحلة ما بعد مؤسسها، إذ ستكون حينها في مواجهة عديد التحديات والأسئلة الكبرى والاختبارات المصيرية، وستعبر نتيجة كل ذلك عن واقعها الفعلي ومدى قدرة قادتها أو خلفاء زعيمها المؤسس على مواصلة السير معا. 

إن الاختبار الذي تتعرض له حركة نداء تونس منذ رحيل زعيمها المؤسس إلى قصر قرطاج، هو من نوع هذه الاختبارات المصيرية، التي لن تتوقف آثار نتائجها على مصير الحركة فقط، بل ستتعداها إلى مصير المشروع الديمقراطي برمته، فنجاح حركة نداء تونس في الولادة من جديد كحزب ديمقراطي مؤسساتي، سيفيد بلا شك سائر المشاريع السياسية التي تمتلك ذات التطلع وتعاني من ذات العراقيل الفكرية والثقافية والمعنوية والسياسية، وبما يعزز الأمل في استمرار النظام الديمقراطي، إذ يصعب تصور ديمقراطية نامية تفتقد أحزابا ديمقراطية حقيقية. 

لقد نشأت حركة نداء تونس سنة 2012، أقرب إلى جبهة سياسية وانتخابية أملتها مخاوف القوى الوطنية والديمقراطية من انحراف مسار الانتقال الديمقراطي، وقد اختيرت على رأسها شخصية سياسية كارزماتية لم يشك أحد حينها في التزامها الديمقراطي، لكن هذه الحركة كانت مطالبة قبل الانتخابات، وخصوصا بعدها، بالتحول إلى حزب سياسي ديمقراطي بالمعنى المؤسساتي والعصري للكلمة، وهو ما سيجعله بالضرورة في مواجهة أعراف "حزب السيد الرئيس" و"الزعيم المطلق" و"الوريث الشرعي" سواء كان "وريثا سياسيا" من قبيل ما كان يريده "محسن مرزوق" مثلا، أو"وريثا بيولوجيا" كهذا الذي يمثله إلى حد الآن حافظ الباجي قائد السبسي. 

إن مجموعة "الإنقاذ الوطني"، التي تتكون من جل القيادات الندائية صانعة الرأي العام والحزبي خلال سنوات التأسيس الماضية، رفضت مشروعي التوريث الأول والثاني، السياسي والبيولوجي معا، وهي مصرة، بل عاقدة العزم على إعادة تأسيس الحركة وبناء الحزب على أساس ديمقراطي مؤسساتي عصري يضمن تكريس مبدأ "السيادة الشعبية" باعتباره جوهر الممارسة الديمقراطية، من خلال تمكين جميع الندائيين من امتلاك صوت يساهم في تقرير المصير والمشاركة في صناعة القرار، كما يضمن تكريس مبادئ التداول الطبيعي على مواقع السلطة الحزبية والرقابة وتحمل المسؤولية، ومن هنا فإنه لا سبيل إلى القبول بالانتكاس مجددا والتسليم لسلطان العائلة ومنطق التوريث وإرادة السيد الرئيس العليا والمطلقة.

ولاشك أن تحول نداء تونس إلى حزب ديمقراطي مؤسساتي عصري، يمثل السبيل الوحيد لحماية المشروع الوطني والديمقراطي من جميع الجبهات التي يمكن للفساد أن ينفذ منها، سواء تعلق الأمر بالتوازن السياسي المهدد بانهيار الحركة، أو بالعمل الحكومي والبرلماني الذي اعتراه الضعف والوهن جراء غياب المؤسسات الحزبية للحركة التي كلفها التونسيون بالحكم ولم تحكم بعد، أو في التعامل مع سائر الاستحقاقات التنموية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فحركة نداء تونس متعافية وصحية وفاعلة تعني بالضرورة مشهدا حزبيا بذات المواصفات وبلدا قادرا على مواجهة استحقاقات الحاضر والمستقبل، لهذا فإن معركة إنقاذ نداء تونس لا تعني الندائيين فحسب بل تعني جميع التونسيين وجميع أنصار تونس الحديثة والديمقراطية أينما كانوا. 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.