نكبة الثقافة في تونس

النهاية التي آل اليها مدير أيام قرطاج السينمائية ابراهيم لطيف بعد أن قامت وزارة الثقافة باعفائه من مهامه بجرّة قلم من الوزير محمد زين العابدين لا يجب أن تمر مرور الكرام…

النهاية التي آل اليها مدير أيام قرطاج السينمائية ابراهيم لطيف بعد أن قامت وزارة الثقافة باعفائه من مهامه بجرّة قلم من الوزير محمد زين العابدين لا يجب أن تمر مرور الكرام، بل من المهم الوقوف عندها ليس لتشخيص الواقع المأزوم للقطاع الثقافي في تونس اليوم وانما أيضا للبحث عن جذور النكبة الثقافية التي نعيش على وقعها.

لا شكّ في أنّ دورة هذا العام من تظاهرة "الجي سي سي" لم تخل من نقائص شابت المسائل الشكلية خاصة وحتّى المضمونية. هنا يمكن الاشارة إلى ما رافق حفلي الافتتاح والاختتام من صخب وجدل وانتقادات اختلط فيها الموضوعي بالذاتي والغثّ بالسمين.

وما حصل على هامش فعاليات الدورة 27 من أيام قرطاج السينمائية من "تهريج" و"شخصنة" وشدّ وجذب بلغ حدّ الرداءة والفجاجة يعري حقائق سافرة حول الوضع المقرف والمحزن في الان ذاته الذي انحدرت اليه الحياة الثقافية في تونس والتي أضحت مقتصرة فقط في السنوات الاخيرة على "الحفلنة" والبهرج الممجوج وكذلك التسابق من أجل انتاج الفشل والخيبات الواحدة تلو الاخرى.

فهل يتحمّل ابراهيم لطيف لوحده كلّ وزر الاخفاق الذي أضحى ظاهرا للعيان بشكل لا ريب فيه؟

إنّ أزمة قطاع الثقافة في تونس لاسيما ما بعد الثورة والتي تمتدّ جذورها إلى العقود الأخيرة بعد أن عجزت الدولة عن بلورة سياسة ثقافية استشرافية واضحة المعالم تقوم على أساس مشروع متكامل وتصوّر شامل، تشي بواقع اجتماعي مرير وتعثّر سياسي خطير في قطاع هام يفترض أن يكون من أحد أهم روافد بناء الجمهورية الثانية.

ومن خلال تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية مرورا بأيام قرطاج السينمائية تتعمّق الأزمة لتكشف حجم الخراب والتدمير الذاتي الذي طال القطاع الثقافي في تونس وسط انعدام لبوادر اصلاح وتغيير حقيقي يشمل جذور الاشكال.

في هذا المضمار، لابدّ من التأكيد على أنّ جذور الأزمة لا تتعلّق فقط بغياب السياسات والتخطيط الاستراتيجي الذي يمكن أن نستشفه في قيمة الاعتمادات المالية المرصودة من الحكومات المتعاقبة على السلطة لفائدة قطاع الثقافة والبنى التحتية المتوفرة، بل هي نتاج أيضا لسوء الادارة والتصرف ولعقليات قاصرة فضلا عن عقم الجسم الاعلامي في بلورة صحافة ثقافية متخصصة تغوص في جوهر الاشكالات لا في ترهات الامور.

لهذا قد يجوز الجزم بأنّ نكبة الثقافة في تونس "العهد السعيد" ستبقى على حالها مادامت نفس المقدمات تفرز النتائج ذاتها.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.