فوز ترامب… عالم ينهار وآخر يُشيَّد !

هو ظاهرة فريدة من نوعها. هكذا وصف المفكر والكاتب الأمريكي الشهير…

هو ظاهرة فريدة من نوعها. هكذا وصف المفكر والكاتب الأمريكي الشهير نعوم شامسكي، الحاكم الجديد للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب. وفي الواقع فان هذا التوصيف لا يبدو مجانبا للصواب اذا ما تمعّنا في طبيعة هذا الشخص وتصرّفاته وتصريحاته المثيرة للجدل أثناء الحملة الانتخابية وحتى قبلها، أثناء ظهوره في البرامج التلفزيونية. إذ من غير المنطقي – نظريا على الأقل-  أن يتبنى مرشّح لمنصب الرئيس  في إحدى أعتى الديمقراطيات في العالم والتي طالما تم التسويق لها على أنها الراعي الرسمي لكل حركات التحرّر  والمهندس الرئيسي لما يعرف بالربيع العربي،  شعارات عنصريّة تستهدف الأقليّات وخصوصا المُسلِمة وأن يتطاول على مكتسبات قيميّة وانسانيّة من خلال تصريحاته المهينة للمرأة الأمريكية مثلا أو تشريعه للتعذيب كوسيلة للرّدع…

بَيْد أن حجم وطبيعة  ردود الأفعال الدوليّة الشعبيّة منها والرسميّة،  التي انطلقت بمجرّد اعلان نتائج التصويت، والتي كانت في معظمها غير مرحّبة بفوز ترامب الساحق ومُجمِعة على خطورة هذا الواقع الجديد الذي فرضته إرادة الناخب الأمريكي يُنبِأ بنوع من الخوف والتشاؤم وبحالة الرّعب التي أصابت المجتمع الدولي . إذ بمجرد تواتر الأنباء عن اقتراب ترامب من عتبات البيت الأبيض اهتزّت معظم العواصم و انتفضت  لهول الصّدمة الى درجة وصف ما حدث بالزلزال المُدوِّي الذي رُجَّت بسببه  أقوى البورصات وأسواق المال في جميع انحاء العالم.

شخصية دونالد ترامب التي وصفها البعض بالفوضويّة والكارثيّة والمتطرّفة لا تبدو وحدها وراء هذا الزخم الهائل من حالة الذهول والرّفض والخوف التي انتابت معظم الملاحظين للشأن الأمريكي. إذ أكثر ما يخشاه الجميع اليوم أن يكون  هذا «المعتوه المتعجرف»، كما وصفه البعض، القاطرة التي ستصطفّ خلفها كل التيارات اليمينيّة المتطرفة في العالم وخصوصا في العالم الغربي. هذه التيارات بدأت اليوم وللأسف الشديد في استرجاع أنفاسها وطفقت تصنع لنفسها قواعد جماهيرية مٌعتَبَرة في أوروبا خصوصا وبات الخوف كبيرا اليوم من أن تكون هذه  الجماعات العنصريّة حِلفا دوليّا يهد د أمن العالم واستقرار المجتمعات والشعوب. فقد نجحت هذه التيارات في لملمة جراحها بعد سقوطها المدوّي في أواسط القرن الماضي  واستفادت من تفشّي ظواهرَ كالإرهاب والهجرة السرية وغيرها لتحيي في نفوس  أنصارها نزعة العنصرية المَقيتة ورفض الآخر وتصويره في شكل العدوّ الأزلي.

ولعلّه ليس من قبيل الالتزام بالأعراف الديبلوماسية مثلا  أن تُهرول زعيمة التيار اليميني المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، أو بنيامين ناتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي وقائد اكثر الاحزاب تطرفا في إسرائيل،بتهنئة  دونالد ترامب بكل تلك الحرارة والسعادة المفضوحة.  ألم يصف زعيم حزب الليكود  رَبّ البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب بالصّديق العظيم وأنّه «ما من حليف أفضل للولايات المتحدة أكثر من إسرائيل» ؟

 لقد أدرك هؤلاء على ما يبدو وخصوصا اليمينيين الأوروبيين في فرنسا وألمانيا واسبانيا وايطاليا أن موسم الحصاد قد حان بقدوم الحاكم الجديد إلى واشنطن وأن صفحات سوداء من التاريخ سيذكر فيها أسماؤهم وإنجازاتهم وأن هَوسهم وأحلامهم ستصبح حقيقة وأن مجد أجدادهم  الفاشيين والنازيين ممن لفظهم التاريخ كموسيليني وفرانكو وهتلر وغيرهم سيتم إحياؤه من جديد.

هم يعتقدون جازمين  ويقولون بعد صعود ترامب الذي وصفه تشومسكي أيضا بأنه حصيلة مجتمع متداع وماضٍ بقوة نحو الانهيار : «عالمهم ينهار وعالمنا يُشيَّد».

 هذا ما يعتقدونه أو ما يأملون في تحقّقه. لكنهم يعلمون أيضا أن الحالة الأمريكية تبقى دائما منفردة وأن المجتمع الأمريكي هو مجتمع لا يمكن اعتماده كمقياس حقيقي لتقييم تَغَيُّر أمزجة الشعوب ومعتقداتهم. هم يعلمون أيضا أن  خطابات الحملات الانتخابيّة هي مجرّد طعم يقذفه ترامب وغيره لجرّ ناخبيهم وراءهم وبمجرد وصولهم الى الحكم  يصبحون مجرّد رقم في  لعبة  يُمسك أطرافها من يقطن في الغرف الخلفية والمُظلِمة في الكونغرس ومجلس الشيوخ.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.