الصافي سعيد “يتسلطن”

إنتهيت للتو من قراءة كتاب " جيوبوليتيك الدم " للكاتب التونسي الكبير صافي سعيد، وهي المرة الثالثة التي أقرأ فيها هذا الكتاب، فقد طالعته في الفترة الأولى لصدوره وأعدت مطالعته في الربيع وعدت إليه ثالثة في المدة الأخيرة، وقد أعود إليه مرة رابعة وخامسة على غير عادتي مع الكتب المهمة التي أكتفي معها بقراءتين واحدة للإكتشاف وثانية للتأمل.

مع صافي سعيد ومع هذا الكتاب بالتحديد يختلف الأمر، فأنت تجد نفسك في كل مرة وكأنك بصدد مصافحته لأول مرة، لأنه ببساطة ليس كتابا عاديا. إنه مكتبة كاملة تحتوي على شتى العلوم والمعارف والأفكار يتجاور فيها الدين مع الفلسفة غير بعيد عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الإجتماعية والصحيحة والأدب والفنون، يشرف عليها أمين مكتبة على دراية كبيرة بصنعته يأخذ بيدك ويتجول بك بين الرفوف والعلوم مكسرا الحاجز الإصطناعي الذي وضعه المصنف العالمي الشهير ديوي ليقسم المعارف البشرية وإبداعاتها في تصنيفه العشري المعروف.

صافي سعيد في كتابه حطم كل هذا واكتشف "الكارفور" الذي تلتقي فيه كل العلوم والفنون بلا إستثناء وسماه " جيوبوليتيك الدم ". لقد أبدع الصافي في هذا الكتاب المكتبة و"تسلطن" بلغة أهل الفن وكشف عن قدرات هائلة في التحليل والإحاطة بالمواضيع المتناولة وعن سعة إطلاع واسعة وعن ثقافة موسوعية خارقة وهو المعروف بأسلوبه المخصوص في الكتابة وبلغته المبهرة، وقد لا أكون مبالغا او متجاوزا وأنا من عشاق كتابات هيكل، وأسلوب هيكل، ومتانة تحاليل هيكل أن أعترف بوقاحة بأني لم أعثر في مدونة الكاتب والمفكر العربي الكبيرمحمد حسنين هيكل رحمه الله وقد أطلعت على أغلبها كتابا يضاهي قيمة " جيوبوليتيك الدم " بما في ذلك كتابه الأيقونة "زيارة جديدة للتاريخ ".

سأعود إلى هذا الكتاب بإسهاب أكبر حينما تحين الفرصة، ولكن في إطار النهج الذي سلكناه أو أجبرونا على سلكه -وهو المرجح- مند 14 جانفي 2011 وهو تقسيم التونسيين الذين عجنتهم الجغرافيا وكذلك التاريخ وصنعت منهم كتلة عصية على التقسيم، فوزعونا بطريقة ممنهجة تتغذى من سياسة "فرق تسد" إلى شمال وجنوب ومناطق مرفهة وأخرى محرومة، وإسلاميين وعلمانيين، مع الثورة وضد الثورة، ويوسفيين وبورقيبيين إلى غير ذلك، في ظل نفس هذا النهج القائم على التقسيم وتجزئة المجزأ الذي بعتبر ثابتة من الثوابت التي وضعها صانعو الربيع العربي الحقيقيون كما وضحت ذلك في كتابي "القصة الخفية للثورة التونسية"، إسمحوا لي بتقسيم التونسيين وتوزيعهم صنفين إثنين، الصف الأول يضم من طالع "جيوبوليتيك الدم"، والصف الثاني من لم يقرأ هذا الكتاب.

وأختم بهذه الفقرة المقتطفة من الكتاب المشار إليه في ص66: " كلما تقهقر العرب على الأرض واحتلت أراضيهم ووقعوا تحت الإذلال وباتوا بلا قوة أو جاه ، وتساءلوا عما أصابهم ، أجاب الإسلاميون أو المسلمون الجيدون "لأننا تخلينا عن الله فتخلى الله عنا" ..ثم أضافوا و كل واحد على طريقته "إذا عدنا إلى الله سيعيد كل شيء إلينا أو " الإسلام هو الحل" وهنا تصبح المسألة متمحورة في العلاقة بين العرب المسلمين وبين الله وليس بينهم كعرب وبين التاريخ. إن ذلك ما يعكس المأزق التاريخي الذي يوجد فيه العرب. لم يعرف العرب حتى الآن ما يجب أن يحتفظوا به من ماضيهم وبما يجب أن يرمى منه إلى النسيان كي يتمكنوا من الإندماج في العالم الحديث دون أن يفقدوا كرامتهم" … سالم بن حسين.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.