التعليم والتربية في تونس: إلى الخلف سر؟

 في الوقت الذي يُنتظر فيه أن تستعيد المنظومة التربوية والتعليمية في تونس عافيتها وعنفوانها بعد سنوات من التخريب والتدمير المشفوع بمحاولات ترميمية بائسة، يزداد الوضع انخراما ورداءة لا توحي صراحة بأمل الاصلاح والتغيير الموعود.

يعتقد البعض أنّ تراجع قيمة وجودة التربية والتعليم العالي و البحث العلمي في بلادنا مردّه فقط الخيارات والتوجهات الارتجالية والعبثية للدولة التونسية خلال العقود الأخيرة. بيد أنّ الاشكال اليوم هو أعمق من ذلك بكثير فالظرف الاقتصادي والاجتماعي بدوره واكراهات الاستبداد السياسي النوفمبري على وجه الخصوص قد ساهمت جميعها في الوصول إلى  المحصّلة الراهنة التي تنبئ بمزيد من التطبيع مع الفشل وتحويل قطاع حسّاس في مسار البناء الديمقراطي القائم على ثقافة المواطنة وقيم العقلانية والوطنيّة وحبّ العمل والايمان بضرورة الالتزام بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق المشروعة إلى مخبر تجارب عقيمة لا تولّد سوى إعادة إنتاج نفس النتائج التي هي امتداد لذات المقدّمات.

التصريح الاخير لوزير التربية ناجي جلّول، الذي يبدو أنّه قد رضح لابتزاز المعلمين النواب بعد اعلانه عن عزم الوزارة انتدابهم دون اجراء أيّ مناظرة أو اختبارات، يكشف حجم الهنات والأخطاء الفادحة التي كان من الضروري عدم السقوط فيها في ظلّ سياق تاريخي يفترض أن تدخل فيه الدولة بكلّ أجهزتها ومؤسساتها التربوية والتعليمية في مسار اصلاح تدريجي لا هوادة فيه بحيث لا مجال للتعاطي مع ارث الماضي على أساس مقاربة هي أقرب الى العمل الخيري والانسانوي.

من المخاتلة اليوم عدم الاصداح بأنّ الاساتذة والمعلمين هم جزء من مشكل اخفاق محاولات الاصلاح التربوي والتعليمي في تونس. النقابات هي الاخرى تتحمّل قسطا هاما من المسؤولية حين تنزلق في مطالب شعبوية لا تراعي مبدأ الكفاءة أوّلا وآخرا.

إنّ اغراق قطاع التعليم في تونس من الاساسي إلى العالي بمزيد من الانتدابات العشوائية تحت وطأة الضغط، وربّما ابتزاز الدولة التي تنظر لها قطاعات واسعة من المجتمع التونسي على أنّها بقرة حلوب وهي في حقيقة الامر بات ضرعها ينزف دما قاتما، لن يؤدي كلّ هذا حتما إلاّ إلى القضاء على فرص الاصلاح الذي لا يمكن أن يخضع للمنطق الشعبوي.

من يروم بناء منظومة تربوية متينة تؤسس لمجتمع ديمقراطي مستنير متشبع بأفكار المواطنة والحداثة وثقافة العمل وروح المبادرة والخلق والابداع عليه أوّلا أن يوقف نزيف ارتهان الدولة للمطلبية المجحفة وغير العقلانية في علاقة بمسألة الانتدابات. فالمدرس  هو جوهر العملية الاصلاحية التي يجب أن ترتكز على مبدأ الكفاءة والتكوين المستمرّ حتّى نكون على الأقل في تخوم أحدث المناهج التربوية والأسس البيداغوجية العصرية.

إذا أين نحن اليوم من مشروع الاصلاح في قطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي التي هي قطب الرحى في بناء تونس الجديدة؟

سؤال كثيرا ما يتبادر إلى الذهن ولكن الاجابة للأسف سلبية ومؤلمة.  فالاصلاح التربوي المزعوم من قبل الوزير ناجي جلول مازال يسير بخطى حلزونية بحيث ظلّ حبيس اعلان النوايا والخطابات الاعلامية الرنّانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. أمّا بالنسبة للتعليم العالي فحدّث ولا حرج. إذ يبدو أنّ الأمل في إنقاذ وزارة "الذكاء التونسي" قد يبقى مجرّد "منامة عتارس".

انطلاقا من كلّ هذا وغيره نكاد نجزم أنّ قطاعات التعليم والتربية والبحث العلمي في تونس تسير إلى الخلف بثبات المترجل الأخرق في طريق الصعود إلى الهاوية؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.