مع اندلاع كلّ أزمة جديدة في احدى الجهات الداخلية في تونس جراء وقوع حدث ما أو فاجعة انسانية واجتماعية، تبرز ظاهرة تقاطر السياسيين ومسؤولي الدولة ولفيف من مكونات المجتمع المدني عليها للاعلان  عن مواقف وقرارات هي في حقيقة الامر أفرغ من فؤاد أم موسى أو للقيام بحركات "رمزية" تطرح عديد التساؤلات حول مصداقيتها وخلفياتها.

هذا المشهد كثيرا ما يتكرّر خاصة غداة حصول مصاب جلل أو حادثة مفاجئة تشي بوضع يعرفه القاصي والداني وبحجم الهوّة السحيقة وأزمة الثقة التي باتت تعتري علاقة النخب والفاعلين السياسيين والاجتماعيين بعموم الشعب.

فمن القصرين إلى بن قردان و غيرهما من مناطق تونس الأعماق، يستفيق على حين غرّة الضمير السياسي والاجتماعي للأحزاب والسلطة السياسية ومنظمات من المجتمع المدني وحتى وسائل الاعلام التي تتعاطى مع مشاكل الواقع اليومي الأليم للمواطن التونسي بشكل مناسباتي مجّته النفوس.

ولئن كانت سنة 2011 عنوانا لميلاد أمل في تغيير عميق علّقت عليه انتظارات كبيرة للانعتاق المواطني والبناء الديمقراطي والرفاه الاجتماعي، فإنّ الأعوام اللاحقة لم تخلُ من ارهاصات خيبات وانتكاسات هي الان تهدّد المسار برمتّه.

هنا لسائل أن يتساءل عن أسباب حالة القنوط والبؤس اللذين يكتنفان وضعا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا هشّا. فالدولة التونسية أمست عاجزة عن مجابهة أعراض مرضية ووهن خطير يهدّد كيانها المؤسساتي ووجودها الميداني. أمّا الأحزاب السياسية فهي باتت أشبه بالدكاكين التي تكسد تجارتها وتبور بضاعتها فتفتح أبوابها ظرفيا مع كلّ مناسبة انتخابية لتتخلى فيما بعد عن دورها الطبيعي في التأطير الشعبي والسهر على تنفيذ الأهداف الموعودة مع الحرص على حماية كيان الدولة من أيادي العابثين ومخططات المتربصين بمستقبل البلاد والعباد.

إنّ ولغ جلّ مكونات الطبقة السياسية في المهاترات البيزنطية والمآرب الفئوية والشخصية قد زاد في تعميق الاشكال وتعطيل مسار البناء الحقيقي على قاعدة المبادئ التي جاءت بها الثورة وحُبّرت في دستور أسهب كاتبوه في التبجّح به لكنّه إلى غاية اليوم مازال مجرد أحلام وردية وانجازات طوباوية.

والزيارات الأخيرة التي قامت بها شخصيات سياسية للجهات الداخلية على هامش النكبات والحوادث المأساوية هي أقرب إلى "الحجّ المغشوش" الذي لا طعم له ولا رائحة غير المزايدات العقيمة والنفاق الشعبوي السخيف.

فيوما بعد يوم يزداد الوضع تأزما والأمل انحسارا ككرة الثلج التي تتدحرج فتبدأ صغيرة ثم تكبر مع مرور الوقت،في الان ذاته الذي تتقاعس فيه النخب والسلطة السياسية على وجه الخصوص عن الاضطلاع بدورها بفاعلية ونجاعة تراعي أهمية قيمة الزمن في تدارك الهفوات ولجم الزلاّت.

لا يختلف اثنان في كون الظرف الحالي الذي تمرّ به تونس قد يكون الأخطر منذ قيام الثورة التي لم تكشف فقط عورات النخب السياسية والاعلامية والاقتصادية والثقافية، بل أيضا حتّى الأعراض المرضية المجتمعية لشعب حديث العهد بالديمقراطية.

لكن من المهم القول بأنّ الأمل سيظلّ قائما رغم صعوبة الوضع وخطورة الظرف الراهن فالمشروع الديمقراطي هو الان في مفترق طرق، والتوافق السياسي الذي لا ينتج انجازات تنموية واجتماعية واقتصادية توازن بين مقتضيات الدولة وانتظارات المواطن المكلوم سيبقى مجرد أكذوبة منمّقة ووهم خدّاع حاله كحال "الحجّ المغشوش".

إنّ تونس ومشاكل جهاتها الداخلية تحتاج إلى استفاقة عاجلة لا آجلة من سكرة طال أمدها وتفشت سلوكاتها بشكل عدمي وعبثي اختلط فيه الحابل بالنابل وذلك قبل فوات الأوان وتفاقم الهوان المؤذن بخراب العمران كما يقول ابن خلدون. فهل من حياة لمن ننادي؟

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.