قيادة الجبهة الشعبية على صفيح ساخن: بوادر تغيير أم أزمة تسيير؟!

انتقد عضو مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية والقيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي، في تصريح إعلامي، أداء الجبهة الشعبية مؤكداً ضرورة تغييرها لخطابها وسلوكها خلال الفترة المقبلة. كما عبّر عن استغرابه من عدم وجود هياكل ديمقراطية بالجبهة رغم دفاعها الدائم على إرساء ديمقراطية حقيقية في البلاد.

هذا التصريح من قيادي بارز في الجبهة الشعبية أعاد إلى الواجهة الجدل المتعلّق بأهمية اعتراف اليسار التونسي (ممثلاً في هذه الحالة بالجبهة) بإخفاقه في نقاط متعددة بعد الثورة وحاجته إلى إجراء مراجعة شاملة وتقييم موضوعي لأدائه وربما تغيير استراتيجيته وتكييف رؤيته مع الواقع التونسي لتوسيع قاعدتها الجماهيرية التي تعتمد في غالبيتها اليوم على طلبة الجامعات.

ولئن كان الرحوي "جريئاً" في طرحه لهذه المسألة بصفة مباشرة، فإن تصريحات زملائه في مجلس نواب الشعب الممثلين للجبهة الشعبية لم تخف، رغم انها جاءت بلغة أكثر "ديبلوماسية"، التوجه نحو تحسين أداء الجبهة وتدعيم هيكلتها (للاطلاع على تصريحات النواب نزار عمامي وعبد المؤمن بلعانس وفتحي الشامخي، الضغط هنا).

الوصول إلى مثل هذه القناعة هام جدا

وفي هذا الإطار، اعتبر المؤرخ الجامعي والمحلّل السياسي عبد اللطيف الحناشي ان تصريح عضو مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية والقيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد منجي الرحوي هام جداً في هذه المرحلة بعد 5 سنوات من الثورة وتأسيس الحزب.

وأكد الحناشي، في تصريح خصّ به حقائق أون لاين اليوم الاثنين، ضرورة أن يقوم الحزب بمناسبة المؤتمر بتقييم لأطروحاته ورؤيته وسلوكياته مضيفاً انه ليس تصريحاً "تكتيكياً" أو لترضية طرف ما سواء كان داخل الجبهة أو خارجها.

وأشار إلى ان المنجي الرحوي وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد لديهما قناعة لضرورة إعادة النظر في الكثير من القضايا الفكرية والسياسية التي تطرحها الجبهة الشعبية معتبراً ان الوصول إلى مثل هذه القناعة مسألة مهمة جداً.

وأضاف ان جميع الأحزاب تتطوّر في رؤيتها وسلوكها وتتكيّف من أجل التغيير الذي لا يحدث بإسقاط نظريات على الواقع، مبيناً ان اليوم هناك واقع سياسي جديد في ظلّ نظام برلماني ديمقراطي جديد.

وشدّد محدثنا على ضرورة تعايش الجماعات السياسية مع بعضها البعض لافتاً إلى ان الاختلاف لا يمكن أن يكون أزلياً ومؤكداً ضرورة ان تقدّم الأطراف المعنية تنازلات سياسية للوصول إلى أرضية الحدّ الأدنى.

وأوضح ان ذلك ينطلق من القناعات للأحزاب المعنية سواء كان يسارية أو يمينية على غرار الجبهة الشعبية والنهضة نظراً إلى خلفيتهما الايديولوجية مذكراً ان حركة النهضة قالت إنها تغيّرت وفصلت بين السياسي والدعوي إلا أنه لا يوجد إلى الآن أي نصّ تجسّد هذا الإعلان الذي بقي في إطار التصريحات السياسية دون أن ينبثق عن مؤتمر النهضة الأخير وثائق تثبت  هذا الفصل وتكون بين أيدي المؤرخين والمتابعين للشأن السياسي لتقييم مدى التزام الأحزاب بما تعلنه، على حدّ قوله.

وشدّد على أن تصريح الرحوي هام جداً ولا بدّ من تجسيده في وثائق تنبثق عن الحزب بعد مؤتمره.

وفي ما يتعلّق بتأثير تصريح منجي الرحوي على الجبهة الشعبية وتماسكها، قال الحناشي إن هذا التصريح وفي هذه الظرفية يعبّر عن رغبة مشتركة بين الركائز الأساسية للجبهة الشعبية والمتمثلة في حزب العمال وحزب الوطد الموحد نحو مراجعة أدائهم ومواقفهم مبرزاً انه سيكون له انعكاسات على الجبهة ولكن لن يكون له تأثير عميق يمسّ من وحدتها، حسب تعبيره.

وبيّن ان حزبا العمال والوطد إلى جانب الإطارات الوسطى في الجبهة الشعبية لديهم هذه القناعة لافتاً إلى ضرورة أن تنطلق نقاشات عميقة صلبها لتصبح هذه القناعة موجودة لدى قواعد الجبهة وكوادرها.

وختم الحناشي بالتأكيد على انه إذا أصبحت هذه القناعة مشتركة بين مختلف مكونات الجبهة الشعبية فإنها لن تؤثر عليها بل ستزيدها قوة.

ضرورة للتقييم والمراجعة

وفي السياق ذاته، قال الإعلامي والمحلّل السياسي خليفة بن سالم إن هذا الحراك طبيعي – في إشارة إلى تصريح الرحوي – داخل الجبهة الشعبية باعتبار انها تتكوّن من وجهات نظر متعدّدة ومتنوعة انطلاقاً من القومي البعثي مروراً بحزب العمال وتجربته الخاصة ووصولاً إلى الحركة الوطنية الديمقراطية.

وأضاف بن خليفة، في تصريح لحقائق أون لاين، انه مضت مدّة على تكوين الجبهة الشعبية مؤكداً ضرورة أن تقوم هذه الأخيرة بعملية مراجعة وتقييم.

وأشار إلى انه لا يمكن إنكار في التجربة السياسية للفكر اليساري هناك نوع من التوتالية والكليانية وبالتالي قبول الاختلاف أمر صعب.

وأشاد بن خليفة بتماسك الجبهة الشعبية رغم تنوّع مكوناتها معتبراً ان منجي الرحوي كان جريئاً في تصريحه وان هذه الجرأة تُحسب له ومعرباً عن أمله في أن لا ينحلّ عقد الجبهة باعتبارها مكوناً ضرورياً في المشهد السياسي.

يذكر ان النائب منجي الرحوي احتفظ بصوته خلال التصويت على منح الثقة لحكومة يوسف الشاهد في مجلس نواب الشعب يوم 29 أوت 2016 بخلاف باقي أعضاء كتلة الجبهة الشعبية الذين صوتوا بـ"لا". كما انه شارك في مفاوضات مع يوسف الشاهد الذي اقترح عليه حقيبة وزارية في حكومة "الوحدة الوطنية".

حري بالإشارة إلى ان الجبهة الشعبية عارضت مبادرة رئيس الجمهورية وهي تتزعم حالياً المعارضة في البرلمان علماً وان علاقتها بشركائها السابقين في اليسار (حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الجمهوري) تشهد بروداً على خلفية مشاركتهما في الحكومة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.