تنظيم داعش الارهابي واستراتيجية "سمكة الصحراء"

بدأ تنظيم داعش الإرهابي في تطبيق استراتيجية "سمكة الصحراء" أو "سمكة الرّمال" (Sandfish) لبسط نفوذه على مناطق جديدة من العالم وذلك بغاية ضمّ مقاتلين جدد إلى صفوف التنظيم، والهروب من نيران التحالف الدولي التي أنهكته وقلّصت من وقعه ومناطق نفوذه. فقد نجح التنظيم في الفترة الأخيرة في الإفلات من مناطق الصّراع في الشرق الأوسط إلى مناطق جديدة في القارتين الأوروبية والأمريكة، وذلك للإفلات من الضربات العسكرية الموجعة والمتلاحقة التي أضعفت التنظيم وأرهقته في مجال تنفّذه الجغرافي بكل من سوريا والعراق وليبيا وغيرها.

وتقوم استراتيجية ما يسمّى بـ "سمكة الصحراء" أو "مخطّط ب" بالأساس على المراوغة ونقل الصّراع من مكان إلى آخر وتنفيذ عمليّات وضربات إرهابية نوعية متزامنة وفي مناطق ودول مختلفة ، تستقطب اهتمام الجميع في سائر أنحاء العالم. 

ولمواجهة هذه الاستراتيجية الدموية والضربات الموجعة لتنظيم الدولة الاسلامية وجب على المجتمع الدولي اتخاذ استراتيجية ضخمة يتكاتف فيها الجميع لمواجهة هذا التنظيم الدموي.

لم يَعُدْ داعش يجنّد أنصاره من بين الاخوان و "الملاّت" و "المشايخ" المتشدّدين ولم يَعُدْ أيضا يجنّد أنصاره من ذوي السوابق الاجرامية الذين بعد ياسهم من الدنيا وحتى من الآخرة بسبب مسيرتهم "الضالّة" وكثرة ذنوبهم… في الدنيا، بل أصبح يَعْرِضُ عليهم الشهادة والشفاعة و جنّات الخلد… مقابل واستباحة الكفّار قتلا وذبحا وتنكيلا في بيوتهم ومواطن عملهم… 

وتأكيدا لذلك ليس من قبيل الصّدف أن يردّد الشيخ راشد الغنوشي (الابن المدلّل للغرب ورئيس حركة النهضة التونسية والاتجاه الاسلامي بتونس منذ سنة 1981 إلى غاية اليوم): " (…) لقد أصبح تنظيم داعش الآن ينتدب المرضى النفسيّين ويقوم ببرمجة عقولهم (…)". 

وبالفعل فقد اتجهت استراتيجية تنظيم داعش منذ شهور قليلة إلى "اصطياد" الذئاب المنفردة من المرضى النفسيّين (malades mentaux ) المولودين بأوروبا أو الوافدين الجدد عليها ممّن وصلوا إلى حالة غير مسبوقة من اليأس والتأزّم والإحباط والانهيار…، نظرا لعد اندماجهم في المجتمعات المحتضنة لهم فدخلوا السجون نتيجة انحرافهم وممارستهم للسرقة والعنف في المجتمعات المحتضنة لهم وإدمانهم على استهلاك الكحول والمخدّرات والموبقات بكل أنواعها … لقد أصبح هؤلاء المرضى من شباب الجيل الثالث للهجرة بلا "أوطان" فَسَهَلَ على التنظيم الإرهابي للدولة الاسلامية "المزعومة" استقطابهم والقيام بغسل أدمغتهم ثمّ توجيههم نحو أهداف سهلة التنفيذ مستغلا سهولة تنقّلهم في كامل فضاء شنقان (Espace Schengen) معرفتها باللغة والمجال والمكان… لاختراق الفجوات ومباغتة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأوروبية للقيام بضربات موجعة وغير مسبوقة بالدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا التي عُرف شعبها وحكوماتها منذ عقود – منذ نشأة الدولة الألمانية رسميا في 18 جانفي 1871 في أعقاب وحدنها القوميّة – باحترامهما للدين الاسلامي والمسلمين! 

وبحكم اختصاصي في الدراسات الاستراتيجية أقول انّه بعد فقدان كل من: الرقّة والموصل وسيناء وسرت… و نجاح هذا التنظيم الارهابي مؤخرا في اختراق فضاء الاتحاد الاوروبي، فإنّه سوف لن يتأخّر في محاولة اختراق الفضاء التونسي والقيام – لا قدّر الله -بضربات موجعة فوق التراب التونسي… وأن تتحوّل تونس والقيروان تحديدا إلى "إمارة داعشية" بامتياز. 

أقول للسلطات الأوروبية عامة والسلطات الألمانية تحديدا من الواجب:

– ضبط استراتجية أوروبية تعتمد على التنسيق الأمني الدائم بين أجهزة ومصالح المخابرات والاستعلامات الألمانية ونظيرتها الأوروبية والجزائرية وبعض الشرفاء من قوات الأمن في تونس.

– التنسيق بين مراكز البحث و الأكاديميّين والخبراء المختصّين في الجماعات الجهادية بكل من أوروبا والبلاد العربية والاسلامية.

– تجنيد أجهزة الاستخبارات الأوروبية والألمانية تحديدا لمخبرين عرب ومسلمين فوق التراب الألماني ليس لهم ولاء إلاّ للأمّة الألمانية و الدولة اللائكية وذلك بغاية الاقتراب من أبناء جلدتهم من أصحاب الميولات أو الانتماءات الداعشية أو من بين المرضى النفسيّين والمنحرفين… قبل استقطابهم وغسل أدمغتهم من قبل دعاة هذا التنظيم الإرهابي بأوروبا.

إنّ غايتنا الأولى والأخيرة من كل ذلك هي أولا وآخرا ضمان الأمن والاستقرار والرفاه، ليس لألمانيا وسائر أقطار أوروبا فحسب، بل وكذلك لكامل البلاد العربية والاسلامية نظرا للعدد الهائل للعرب والمسلمين المستقرّين بأوروبا منذ عقود والذين يقدّر عددهم بالملايين.
يقيننا أنّ بلوغ هذا الهدف النبيل صعب في الوقت الراهن لكنّه غير مستحيل في المستقبل القريب والبعيد.

* باحث تونسي مقيم بألمانيا وخبير لدى مركز للدراسات الاستراتيجية بجينيف

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.