أعلن حرب الكلّ ضدّ الكلّ: الصيد يسقط "ورقة التوت" عن وزرائه؟!

تعيش تونس على صفيح سياسي ساخن منذ إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عن مبادرة لتكوين حكومة وحدة وطنية مطلع شهر جوان الفارط.

فقد تلت إطلاق هذه المبادرة سلسلة من اللقاءات والمشاورات جمعت 9 أحزاب (حركة نداء تونس، حركة النهضة، حزب الاتحاد الوطني الحر، حزب آفاق تونس، الحزب الجمهوري، حركة الشعب، حركة مشروع تونس، حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، حزب المبادرة الوطنية الدستورية)، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، التي أسفرت بعد أكثر من شهر من اللقاءات الدورية عن وثيقة تحدّد أولويات حكومة الوحدة الوطنية أطلقت عليها تسمية وثيقة "اتفاق قرطاج".

وإذ كان من المتوقع أن تنغمس الأطراف المشاركة الحوار المتعلق بحكومة الوحدة الوطنية في مشاورات تهمّ الشخصية التي ستترأس الحكومة الجديدة، ليتمّ بعد ذلك تسليم السلطة إليه بسلاسة بعد استقالة رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد. فان الرياح لا تجري دائماً بما تشتهيه السفن. فقد فاجأ هذا الأخير الجميع عندما أعلن انه لن يستقيل وان حكومته ستواصل مهامها إلى حين إقرار ما يخالف ذلك، مشيراً إلى انه سيتوجه إلى مجلس نواب الشعب وانه يعوّل على إنجازات حكومته لنيل ثقة النواب.

وفي السياق ذاته، أكد الصيد في آخر تصريح إعلامي له يوم الجمعة الفارط عقب لقائه برئيس الدولة ان خياره الذهاب إلى البرلمان ليس تشبثاً بالمسؤولية وإنما في إطار المصلحة العليا للوطن مشدداً على انه اتفق مع السبسي على التسريع في المرور إلى المرحلة الثانية من حكومة الوحدة الوطنية.

قرار الحبيب الصيد التوجه إلى مجلس النواب  بدا وكأنه رفض لتحميل شخصه المسؤولية الكاملة عن فشل المسار السياسي في البلاد خاصة في ظلّ ما يتمّ تسريبه من معلومات تفيد بأن الصيد سيتحدث عن إنجازات حكومته وفي الآن نفسه سيكشف اللثام عن "الجهات" التي عرقلت عمل الحكومة، والمتمثلة في أحزاب الائتلاف الحاكم التي يعتبر أنها خيّبت آماله في أكثر من مناسبة بعد تخلّيها عن مسؤولياتها.

كما أن قراره هذا صعّب من مسألة تغيير الحكومة ووضع الأطراف المعنية بالمبادرة في الزاوية حيث باتت مرتبطة بثلاث آليات دستورية، الآلية الأولى تتمثل في طلب الصيد من البرلمان تجديد الثقة في حكومته وفقاً للفصل 98 من الدستور. أما الثانية فتقوم على لجوء رئيس الجمهورية إلى الفصل 99 الذي يتيح له بدوره أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، وهو أمر مستبعد نظراً لإعلان السبسي ان دوره انتهى بعد إمضاء "اتفاق قرطاج" ورمى الكرة إلى ملعب الأحزاب.

في حين تتمثل الآلية الثالثة في توجيه لائحة لوم ضدّ الحكومة وهي إمكانية وردت بالفصل 97 من الدستور، إلا أن حالة الطوارئ التي تعيش في ظلّها البلاد تحول دون أن يتمّ اللجوء إلى الفصل 97.

كلّ هذه التعقيدات كادت أن تجعل مجلس النواب في مواجهة "ورطة" دستورية لسحب الثقة من رئيس الحكومة الحالي، خاصة وانه – أي الصيد – يدرك ان الحزب الذي رشحّه لمنصبه (نداء تونس) هو نفسه من يدعو صراحة إلى استقالته، وان الحزب الذي كان يدعمه بشكل دائم (النهضة) قد غيّر موقفه وسحب مساندته له نظراً لما اعتبره "تغيّراً في الظروف"، وبالتالي فإنه يعرف ان تقدّمه بمطلب لتجديد الثقة في حكومته لن يفيده بل على العكس من ذلك إذ انه لن ينال التصويت اللازم لتجديد الثقة وبالتالي سيتم سحب الثقة منه.

ولعلّ المفاجئ هنا ان الحبيب الصيد قد تقدّم فعلاً إلى البرلمان لطلب مواصلة نشاط حكومته رغم ان جميع المعطيات لا تصبّ في صالحه باعتبار انه فقد سنده السياسي. هذا الأمر ردّه بعض المتابعين للشأن العام إلى كون رئيس الحكومة قد توصّل مع رئيس الجمهورية إلى اتفاق يسهّل مسار تكوين حكومة الوحدة الوطنية، ويحفظ في الآن ذاته "ماء وجه" الصيد لكونه لن يقدّم استقالته وبالتالي سيلتزم بما صرّح به سابقاً، ولكنه سييسّر مهمة النواب في سحب الثقة منه دون رفع حالة الطوارئ كما ينصّ على ذلك الفصل 97 من الدستور.

وفي المقابل، يعتبر آخرون ان الصيد برفضه حضور جلسة الحوار معه والتي كانت مقرّرة ليوم الجمعة 22 جويلية 2016 في مجلس النواب وتقدّمه بطلب لتجديد ثقة – من المنتظر أن يحدّد مكتب المجلس الجلسة المخصصة لذلك في اجتماعه غداً الخميس -، هي مواصلة في قراره خوض معركة "كسر العظام" مع أحزاب الائتلاف الحاكم حيث تفيد بعض التسريبات أنه بصدد إعداد ملفات للدفاع عن حكومته وعملها، إلى جانب إصراره على تحميل المسؤولية التاريخية لمن يريد إقالته.

علاوة عن ان مصادر تفيد بأن دعوة الحبيب الصيد إلى جلسة حوار بعد غد الجمعة كانت بضغط من نواب نداء تونس بشكل خاصّ لإحراجه والدفع به نحو تقديم استقالته، إلا ان رئيس الحكومة بقراره رفض الحضور في الجلسة المذكورة يكون قد ترك ممثلي النداء في التسلّل.

كما ان وزراء الائتلاف الحاكم، وبشكل خاص، وزراء نداء تونس، في موضع محرج بعد أن زجّ بهم الحبيب الصيد في معركة سياسية وأخلاقية، إذ أنهم باتوا مطالبين بالدفاع عما أنجزوه في الحكومة الحالية على الرغم من أن الجميع يعلم ان عدداً منهم مرشح لأن يكون له موطئ قدم في الفريق الحكومي القادم.

بات من شبه المؤكد ان سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد سيتمّ خلال الأيام المقبلة، إلا أن الأزمة السياسية لن تنتهي عند ذلك بل من المرجّح أن ترتفع وتيرتها باعتبار ان الصيد لن يرحل في صمت ومن المتوقع ان يكشف عن معطيات يمكن القول إنها خطيرة، بالإضافة إلى مسألة اختيار رئيس الحكومة المقبل والتي لن تكون مسألة هيّنة لتباين الآراء لدى الأطراف المشاركة في مشاورات حكومة الوحدة الوطنية، والتي تتراوح بين من يريدها شخصية حزبية وحتى "ندائية"، ومن يريدها شخصية مستقلّة.

حري بالإشارة إلى انه رغم عدم تجديد الثقة لرئيس الحكومة فإن هذه الأخيرة تواصل نشاطها ولكنها تصبح حكومة تصريف أعمال إلى حين أن تتشكل حكومة جديدة يتولى رئيس الجمهورية الباجي اختيار رئيسها عملاً بالفصل 98 من الدستور.

يذكر ان قناة التاسعة سبتثّ مساء اليوم حواراً للحبيب الصيد يكشف فيه عن تعرّضه لضغوطات أقرب إلى "تهديدات لإجباره على الاستقالة".

وفي ما يلي نصّ النظام الداخلي للبرلمان في ما يتعلّق بتجديد المصادقة على الحكومة:

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.