بمتابعة طريفة ومنتقاة لتدوينات وكتابات أشهر الاسلاميين والعروبيين أو شباب مدونيهم على الفضاء الأزرق حول الحدث التركي لا أستطيع كبح نزوعاتي التحليلية لخفايا المشهد السياسي و الايديولوجي التونسي .
فرح الاسلاميين في تونس بفشل الانقلاب لا يفتقد لشرعية خوف رهيب بداخل النهضة القيادية و العميقة من مصير مظلم تهددهم على امتداد سنوات ثلاثة بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و البراهمي و اثر الانقلاب الدموي في مصر الذي وضع تيارا كاملا في قلب المحارق و المقاصل تحت شعارات "الديمقراطية" و "الحداثة".
الفرح "الاسلامي" بفشل الانقلاب التركي منح "مدونين و كتاب" محمولين على النهضة "شرعية الاستمرار" في استحضار مجاني لشبح "بشار" و ربط "براميله" بقمعية الانقلاب السيسي الذي تلفع أيضا بجلابيب العروبة و القومية و المقاومة و الانتصار لفلسطين في مواجهة "عملاء الناتو" و "ماكين" و "الربيع العبري" التي منحها له "عروبيو مصر" ليواصل اسلاميو تونس الفرحون بانتصار "العثماني " مواجهة عروبيي تونس .
فرح الاسلاميين التونسيين قابله العروبيون في تونس بمواصلة تصفية حساب مع "الاخوان" في استحضار تاريخ "التتريك" و مواجهة "الثورة العربية" أوائل قرن مضى التي ينتسب اليها ايديولوجيا عروبيو القرن 21 .
لهذا لاستحضار العروبي شرعية تستند الى موقف الإسلاميين التونسيين من "الحدث السوري" و هو موقف لم تستطع "النهضة" فيه التمايز في 2012 و 2013 عن الموقف "الاخواني الدولي" و "التركي" الذي كاد ان يتماهى في مفارقة غريبة مع الموقف الوهابي التكفيري و الخليجي السعودي الذي لا تخفى علاقاته العدائية تاريخيا مع الناصرية و البعثية و قوى المقاومة بمختلف فصائلها و هو ما يمنح "العروبيين" التونسيين مشروعية مواصلة الاشتباك مع الاسلاميين التونسيين .
الجدير بالملاحظة أن سنوات الثورة التونسية الأولى ثم انطلاق الحدث السوري قد شهد محاولات ظاهرة و خفية للمفكرين منير شفيق و معن بشور مؤسسي المؤتمر القومي الاسلامي لتبريد "النار" بين القوميين و الاسلاميين في تونس و أؤكد معلومة جولات مكوكية قطعها الرجلان بين رئيس حركة الشعب وقتها الشهيد الحاج البراهمي و رئيس حركة النهضة.
ويتحدث البعض عن لقاء تاريخي انعقد بين الغنوشي و البراهمي رغم تباين المواقف من المسألة العربية (موقف الحاج من قطر و النهضة من بشار) .
وتشير المعلومات أيضا أن انقسام حركة الشعب "الناصرية التونسية" الى تيار و حركة يقوم في جانب كبير منه على اختلاف وجهات النظر حول تموقع العروبيين و كيفية ادارة علاقاتهم مع الاسلاميين و الماركسيين ما انتج التحاق "التيار" بالجبهة و بقاء "الحركة" محافظة على مسافة واحدة مع الاسلاميين و الماركسيين .
بعثيو تونس المحمولون على القيادة القومية في دمشق حسموا منذ اللحظات الأولى لانطلاق الحدث السوري علاقاتهم بالاسلاميين و لكن المواقف من الاسلاميين تباينت نسبيا بين حركة البعث و الطليعة العربية المحمولين على القيادة القومية في بغداد تاريخيا .
سيكون اغتيال الشهيد البراهمي و اصرار النهضة على موقفها من المسألة السورية دافعا الى عودة موقف العروبيين التونسيين الى التجانس في مسألة العلاقة من الاسلاميين و ان كانت حدة الخطاب تجاههم كانت تظهر أكثر لدى "التيار" (الناصري) و "الطليعة" (البعثي) .
العلاقة بين الاسلاميين و العروبيين في تونس كانت الاقرب الى التطور منها بين التيارين في باقي الاقطار لأسباب تاريخية و فكرية متمثلة في رمزيات تونسية مشتركة يدعي التياران الانتساب اليها (الزيتونة …الثعالبي ..الخ) و كان يمكن لهذه العلاقة ان تكون محددة في مسارات الحياة السياسية بتونس مستثمرة المكاسب الفكرية لورقات الحوار القومي الاسلامي الذي شهده العالم العربي سنوات الألفين بعد "أسلمة" البعثية مع صدام و تقارب بشار مع حماس و حزب الله لكن المسألة السورية كانت صاعقا فجر العلاقة مرة أخرى بين التيارين ليعيدها الى اوضاع الستينات .
في التيار العروبي و الاسلامي التونسيين حاليا و على أكنافهما و بينهما شخصيات فكرية و كتاب و نشطاء يملكون قدرة على استئناف الحوار بين تياري "الهوية" في تونس و لكن رياح السياسة تجري بغير ما تشتهيه "الاستراتيجيا" . فهل تكون الاكراهات في منطقة متحركة هي الدافع الى ذلك ؟