تشكيل الحكومة الجديدة… هناك الأهم

ما يلفت الانتباه في وسائل إعلامنا خاصة منها الصحف هو إصرارها على أن تشكيل الحكومة القادمة يشغل الرأي العام وبأن التونسيين ينتظرون على أحر من الجمر معرفة من سيكون على رأس الحكومة. ماذا لو لم تكن الأمور بهذه الأهمية لدى الرأي العام ؟ فباستثناء مجموعة صغيرة تربطها مع أعضاء الحكومة المنحلة أو القادمة علاقات شخصية ومصالح منحصرة في الامتيازات والوعود وهواجس الحفاظ على المكاسب المادية أو المهنية الشخصية…من يهتم لشأن تشكيل الحكومة الجديدة؟ 

الإعلام أكثر المهتمين

لا بد في البداية من الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الوطني تمر بفترة فراغ نتيجة شح الأحداث والمستجدات على الساحة الوطنية في الفترة الأخيرة وخاصة منذ حلول شهر رمضان. لا تفجيرات ولا عمليات إرهابية ولا اعتصام رحيل كما حصل في السنوات الأخيرة ولا حتى فضائح أو تسريبات ترتقي إلى مستوى البوز. ولنتصور لو لم نكن في شهر رمضان ولو لم تكن البرامج الرمضانية موجودة لترفيع نسب المشاهدة, كيف كانت وسائل إعلامنا ستؤثث شبكاتها البرامجية ونشرات أخبارها وحواراتها ؟ يبقى الحدث المهم  الوحيد على الصعيد الوطني هو أزمة الحكومة. تحاول وسائل الإعلام أن تنبش في تفاصيله المملة وأن تنفخ فيه الروح على أمل الارتقاء به إلى مرتبة المواضيع الحارقة…لكن من يهتم ؟
لم يعد الموضوع يستجيب لأهم  عناصر الخبر  من طرافة ومفاجأة ولا حتى عنصر الجدية إذ مع تعاقب الحكومات والخيبات منذ الثورة بات الموضوع مستهلكا ومملا.

ربما كان بإمكان خبر بدسامة البركست أن يشكل مادة إخبارية وحوارية لوسائل إعلامنا لكن تبدو مسألة الخوض في خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بالغة التعقيد. ويبدو أيضا أنها لا تعنينا حتى وإن حاول بعض المتابعين للموضوع إبداء قلقهم من تداعياته الاقتصادية على تونس وعلى مسألة الهجرة وعلى سياسة الإتحاد الأوروبي واقتصاده… لكن من يهتم ؟ فالخبر يفتقر لأهم عناصره, عنصر القرابة.

الرأي العام…لديه الأهم

يبدو أن عامة الشعب منغمس في أمور مختلفة لا علاقة لها بتشكيل الحكومة…أمور بسيطة وروتينية إلا أنها ذات تأثير مباشر وملموس على مجريات واقعه والأهم من ذلك أنها في متناوله وهي قد تقدم حلولا مقبولة لمشاكله وعذاباته وهواجسه اليومية فتتحول بذلك إلى أمور بالغة الأهمية. فمثلا أن تتعلم النسوة والفتيات وصفات إعداد أكلات جديدة فهذا قد يدخل السرور على قلوبهن وقلوب أفراد عائلاتهن. أن يشاهد الرجال كأس أوروبا لكرة القدم في المقاهي المنتشرة هنا وهناك وأن يلعبوا الورق وينفخوا في الشيشة ويلتهموا السجائر حتى ساعة الإمساك فهذا أيضا شيء ممتع ومثير للغاية بالنسبة لهم. أن يهرول الرجال والنساء إلى المساجد لتأدية صلاة التراويح فهذا أهم وأجمل شيء بالنسبة لهم. أحداث مسلسل أولاد مفيدة أو غيره من المسلسلات والبرامج الرمضانية التي يحبها المشاهدون…كلها إشباعات تحققها هذه الأمور البسيطة والمتاحة. فأية إشباعات يحققها الاهتمام بالحكومة الجديدة ؟

لعل قرابة الست سنوات كانت كافية كي يدرك الناس أنهم آخر اهتمامات الحكومات المتعاقبة وأن تعليق الآمالِ على حكوماتنا هو خيبات مؤكدة, فتعلموا كيف يجنبوا أنفسهم الخيبات. لعلهم عافوا السياسيين حتى بات من الضروري إخراج هؤلاء بصورة جديدة عسى أن يقبلهم الناس…وكان هذا دور الإعلام الذي نقلهم من البلاتوهات التلفزية والبرامج الحوارية إلى نوعية أخرى من البرامج مثل الكاميرا الخفية أو المسلسلات الهزلية فحولهم بذلك إلى أضحوكة أو حولهم إلى شخوص شريرة وفاسدة في المسلسلات الرمضانية وبذلك يكون الإعلام قد أعاد بعثهم في صورة تراجيكوميدية وهو بذلك مستفيد في جميع الحالات…ولعلهم هم أيضا مستفيدون بما أن الصورة التي يظهرون بها للناس لا تهمهم بقدر ما يهمهم الظهور في حد ذاته.

أما بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة واسم رئيسها…من يهتم؟ الموضوع أصبح يفتقر حتى إلى عنصر القرابة, ولعل أولاد مفيدة أو أبطال سلسلة بوليس أقرب من السياسيين إلى قلوب الناس وإهتماماتهم وحواراتهم حتى انهم أصبحوا ينسون أو يجهلون جل أسماء الوزراء كما كانوا يفعلون ذات عهد.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.