شرف الدين القليل لماجدولين الشارني: بينما ينتظر جرحى الثورة الحقيقة.. تجود عليهم دولتكم بـ "كرذونة إعانة من الإمارات الشقيقة"!!

نشر محامي شهداء الثورة وجرحاها الاستاذ شرف الدين القليل رسالة وجهها الى رئيسة للهيئة العامة لشهداء و جرحى الثورة و العمليات الإرهابية ماجدولين  الشارني، وجاءت  فيها مايلي. 

إليك سيدتي الرئيسة:

" لن تموت إذا فقدت شخصا عزيزًا عليك، و لكنك سوف تعيش كالميت إذا فقدت كرامتك."

سيدتي الرئيسة التي… بعد ثورة

سيدتي الرئيسة التي… بفضل دماء غزيرة

مقامك محفوظ سيدتي…و لكنني سوف أسمح لنفسي بتجاهل صفتك كرئيسة للهيئة العامة لشهداء و جرحى الثورة و العمليات الإرهابية ( التي مازلنا جميعا نجهل أساسها القانوني و هيكليتها و صلاحياتها…)، و سوف أخاطبك كواحدة من نساء تونس اللواتي فقدن عزيز عليهن و استحالت حياتهن، و لو إلى حين، إلى فراغ فضيع بفراقه ( و حسبي…بأني أعلم ماذا كان يعنيه لك سقراط رحمه الله…)…سوف أخاطبك سيدتي كشقيقة شهيد قصفتها لوعة الفراق و عبثت بها أسئلة ملابسات استشهاده…و رغم ذلك.. مازلت تلهث وراء الحقيقة و مازالت معتصمة بحقها فيها و بالوقوف في وجه الضالعين في تصفيته و وجه الماكينات المتسترة عنهم و عن إجرامهم ( و أعلم أنك تعلمين بأنها ماكينات الدولة التي تمثلينها…للأسف الشديد!!)

و لن أحدثك سيدتي عن الملفات التي تباشرينها، و لا عن الإشكاليات التي تجتهدين في تذليلها، و لا عن آدائك على رأس الهيئة العامة لشهداء و جرحى الثورة و لا عن تقييمي الشخصي له…و لن أحدثك عن قناعاتك و اختياراتك السياسية، و لا عن البحبوحة التي ننعم بها في حضرة دولة الشيخين اللئيمين، و لا عن جحافلهم المتكاثرة من المطبلين و المنقلبين و " المتقفرشين" (مصطلح قديم/جديد أخذ يغزو شيئا فشيئا المشهد العام…و أتمنى أن لا تصيبك عدواه…)

ربما، عن مضض و اضطرار، سوف أسمح لنفسي لكي أحدثك عن:

أم شهيد فقدت الإبن و الزوج و استعمر المرض جسدها النحيل و مازالت تجوب المحاكم و الهيئات و تحت إبطها ملف قضية ابنها الشهيد مجدي، و أخت شهيد مازال مستحوذا على ذاكرتها و مازالت متمسكة بمحاسبة قاتله العسكري الذي حطم كل الأرقام الممكنة في الترقيات المهنية مثلما حطم فؤاد سامية بفراق هشام، و زوجة شهيد خطفته رصاصة قانصة عندما هب للوقوف لتونس في وقت لم نسمع فيه إلا عن الجالسين و القابعين المتفرجين أو…المتآمرين….رحل و تركها صحبة ابنها يوسف متحدية نكد الدهر و خيانة الرفاق و عناد قضاء العسكر و هي مازالت ،صحبة يوسف، تلهث وراء حق الشهيد….أحدثك عن الطفلة "دينا" سيدتي…تركها الأب عادل و هي لم تنطق الحرف بعد، تكبر و يكبر معها حرصها على حقيقة من حرق أباها بمركز الأمن بسيدي بوزيد؟ و لماذا؟… أسمح لنفسي أيضا أن أحدثك عن عجوز المنستير…و أسبوع واحد مازال يفصلها عن مغادرة فلذة كبدها للسجن، و قد فعلا إليها و إلى حضنها، و لكن في…صندوق خشبي قبيح

أحدثك عنهن و هن ينتظرن الحق و الحقيقة…فتجود عليهم دولتكم بـ.."كرذونة"!!!!!!!!!

أسمح لنفسي سيدتي أن أحدثك عن…جريح ثورة مازال يمني النفس بلحظة يتمكن فيها من ضم ابنه إلى صدره و من الاختلاء بزوجته التي اشتاق إليها…و مازال ينتظر!! و عن آخر…جبلي هادئ وسيم…و صبور أيضا … مازال يبكي بمرارة عجزه عن الاستحمام بنفسه و عن قضاء حاجاته بنفسه و عن السباحة بنفسه و عن و عن و عن … التبول على مناضد حكامكم بنفسه…و مازال ينتظر!!

و عن جريح آخر، أكثر رومانسية، ولم تفارق الابتسامة يوما محياه…مبحرا بين المواقع منبهرا بإنجازات العلم و آخر صناعات السيقان الاصطناعية، و هو يمني النفس بواحدة تشبهها…و هو بفارغ الصبر ينتظر!!

 أو لعلك سيدتي تريدين أن أحدثك عن جريح آخر جعلوا من جسده المنهك حضيرة للتجارب و التدخلات الجراحية، أو آخر بات يخجل من الظهور أو من تقديم نفسه بأنه جريح ثورة الرابع عشر خشية نعته بالمارق أو بالسارق أو بالمتسول و العاجز الغارق…فهذه يا سيدتي بلاد الجاحدين عفانا و عافاك الله…و لكننا ابتلينا بها و بعشقها و عشق أهلها……..أحدثك إن شئت أيضا عن بضع عشرات من الجرحى يحالون يوميا على محاكمكم و تتهددهم يوميا سجونكم و سجانيكم…من أجل عدم دفع دين متخلد بذمة إحدى مؤسساتكم أو من أجل هضم جانب أحد موظفيكم…البررة، أو من أجل استنشاق هواء آخر…ربما يكون أعتق و أعذب من هوائكم الملوث كذبا و نفاقا…من يدري؟؟؟

أحدثك عنهم سيدتي و هم ينتظرون بعض الحق و بعض الحقيقة، فتجود عليهم دولتكم بـ …."كرذونة"!!!!!!!

أحدثك سيدتي عن كل هؤلاء و غيرهم كثيرون و قصصهم أكثر… مع معاناة يومية اعتادوها و اعتادوا وزرها…و عن صبر طويل اعتادوه أيضا و اعتادوا مرارته

أحدثك عنهم سيدتي، و أدعوك بكل لطف أن تضعي نفسك مكان أحدهم و هو ينتظر بفارغ الصبر خبرا لعله يفرحه…خبر حقيقة طال انتظارها مثلا، أو خبر علاج مستحق، أو خبر حكم بإدانة حقيقية للمتهم أو…خبر نشر قائمة نهائية رسمية لشهداء و جرحى الثورة

و في الأثناء، يقرع ساعي البريد الباب، المفتوح أصلا، و يزف إليه البشرى……تخيلي أرجوك سيدتي أن يكون باب منزلكم، و أن يكون فاتح الباب والدك أو أمك أو شقيقتك…تخيلي فقط…أو ضعي نفسك مكان فاتح الباب من اللذين حدثتك عنهم… و يسلمك من طردًا سمينا مكتنزًا طماطم و مقرونة و بعض النقانق المصبرة، و قد كتب عليه بالحبر البجبوجي القانئ " هذه إعانة من دولة الإمارات الشقيقة "!!!!!!!!!!!!!

تخيلي ذلك حتى تشعري بحجم الإهانة و بمرارة الخيبة

تخيلي ذلك، ثم تعالي معي نلعن الإمارات و أمريكا و قطر و كل من يريد بأنوفنا السوء و الشر…و نلعن دولة تحترف التسول و تصر على مزيد استنزاف قضية شهداء و جرحى الثورة و تجعل منهم سلعةً و ليسوا بشر… و نرجع الهدايا، الإعانات إلى مرسليها و نخبرهم أننا قوم إذا فقد حريته و كرامته…اندثر

"كرذونتكم" مردودة عليكم إذا سيدتي، و شكر الله سعيكم و اجتهادكم

سيدتي…..لقد قلتها في إحدى مرافعاتي بالحكمة العسكرية الدائمة بالكاف: " لن تموت إذا فقدت شخصا عزيزا عليك، و لكنك سوف تعيش كالميت إذا فقدت كرامتك "…

و حسبي بأننا قوم يعشق الحياة عشقا، فإياكم و…كرامتنا.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.