حكومة الطرشان..؟!

في الوقت الذي تعيش فيه الصحافة المكتوبة في تونس أزمة مستعرة بسبب تراكمات عديدة ومشاكل بنيوية موضوعية وذاتية،تواصل حكومة الحبيب الصيد انتهاج سياسة الآذان المغلقة رغم صيحات الفزع التي تكّررت في الآونة الأخيرة من قبل أهل القطاع بعد أن بلغ السيل الزبى.

العشرات بل ربّما المئات من مواطن الشغل في القطاع الصحفي المكتوب باتت اليوم مهدّدة أكثر من أيّ وقت مضى نتيجة حالة اللامبالاة التي تعاطت بها حكومات ما بعد الثورة مع مطالب جامعة مديري الصحف ونقابتي الصحفيين.هذا دون الحديث عن خريجي معهد الصحافة وعلوم الاخبار من العاطلين عن العمل والذين كان من الاجدى أن يفتح لهم الباب عبر تهيئة ظروف لآفاق جديدة.

سعت حكومتا الترويكا بعيد الصعود إلى الحكم لمحاولة تطويع الاعلام و تركيعه من خلال تجفيف منابع الدعم المشروع القائم على اشتراكات الادارات والوزارات التابعة لأجهزة الدولة. كما لم تتوّرع عن القيام بتعيينات مسقطة في بعض المؤسسات العمومية بهدف فرض أجنداتها على خطوطها التحريرية. بيد أنّ الأخطر من كلّ ذلك تجلى في الابقاء على حالة الفوضى و"شريعة الغاب" التي اجتاحت القطاع الاعلامي المكتوب غداة الثورة فلم يبذل أيّ مجهود للتسريع في حلحلة ملف المجلس الأعلى للصحافة فضلا عن كون الاشهار العمومي أضحى حينها وسيلة للابتزاز وشراء الذمم بناء على درجة الولاء والطاعة بشكل لم يختلف كثيرا عمّا كان يحصل زمن العهد النوفمبري.

وعلى الرغم من تنظيم انتخابات في أواخر 2014 رشح عنها فيما بعد تشكيل حكومة الحبيب الصيد،فإنّ دار لقمان بقيت على حالها. فقد تكثفت الوعود بالنظر في سبل انقاذ قطاع يمثّل عماد السلطة الرابعة في تونس التي دافعت عن قيم الجمهورية ونموذج الدولة المدنية ضدّ الارهاب ومريديه من الذين يبشرون بثقافة جديدة بعد أن خرجوا كالمارد من القمقم ولكن بلا جدوى على أرض الواقع.

يجمع عموم التونسيين على أنّ الاعلام في تونس  هو تقريبا نقطة الضوء الوحيدة منذ تاريخ قيام الثورة التي حرّرت الأقلام والألسنة من القيود والمكبلاّت. في المقابل فإنّ السلطة السياسيّة الحالية كمن سبقها يبدو أنّ لها توجها آخر تروم من خلال اطفاء هذه الشمعة الوحيدة المضيئة.

ولا شكّ في أنّ الصحافة الحرّة والمهنية هي بمثابة قطب الرحى في أيّ مشروع ديمقراطي  ، إلا أنّ الوضع الحالي في هذا القطاع لا ينبئ بمؤشرات ايجابية للنهوض بالاعلام المكتوب لصون هذا المكسب وتدعيمه في ظلّ أزمة خانقة عمّقتها ردود  اللافعل الحكومية التي ينطبق عليها قول الشاعر "أسمعت لو ناديت حيّا..ولكن لاحياة لمن تنادي". فهي حكومة يجوز وصفها بحكومة الطرشان ومن الواضح أنّها بدورها لا تأبه لمثل هذه المشاكل الجوهرية التي هي ليست ضمن دائرة اهتمامها.

لهذا نظنّ أنّه آن الأوان لأهل القطاع ليستعدوا لخوض معركة ، شريفة طبعا ،  دفاعا عن حقوق غير معترف بها من قبل حكومة صمّاء.وأولى الخطوات النضالية القادمة من الأجدى أن تكون باعلان إضراب عام وطني لكشف المستور على صمت القبور.   

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.