الشعانبي..قصّة صمود في وجه "خفافيش الظلام"

"أقسم بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن والدفاع عن حوزته وحماية مؤسساته الشرعية ومكاسبه من كل خطر أو عدوان داخلي أو خارجي، وأن أحترم قوانين الدولة، وأن أقوم بعملي بكل شرف وأمانة في كنف الطاعة و الإنضباط كي تبقى تونس حرة منيعة أبد الدهر…"، بهذه الكلمات يبدأ جنودنا في جبل الشعانبي يومهم قبل أن ينطلقوا ويتفرّغوا للمهام الموكولة إليهم من استطلاع ومراقبة وإقامة دوريات وتمشيط..

على وقع هذا القسم، يتوجه حماة الديار إلى عملهم غير عابئين لا بالأخطار المحيطة بهم من كلّ جانب ولا بقساوة الطبيعة التي يبدو أنها تحالفت مع الإرهابيين – لعدّة أسباب لا يمكن شرحها هنا- ووفّرت لهم لا المخبأ فحسب بل مواقع استراتيجية سهّلت قيامهم بكمائن استهدفت في وقت سابق عسكريين وزرع الألغام التي يسهل إخفاؤها تحت التراب.

ويعدّ جبل الشعانبي من أبرز المعاقل التي استغلّتها العناصر الإرهابية واتخذت منها مخبأ لها، إذ يمتدّ الجبل على مساحة تقدّر بـ140 كم مربع ويبلغ طوله 20 كم وعرضه 7 كم. ويتّسم جبل الشعانبي بتضاريسه الوعرة وكثافة أشجاره وكثرة مغاراته والتجويفات بين صخوره.

وتزيد طبيعة جبل الشعانبي صعوبة مهمة الجيش الوطني إذ يستغلّها الإرهابيون للاختباء داخل المغارات والتجويفات والأشجار ويرتدون ما يعرف بـ"الهركة" التي يقترب لونها من الصخور لمباغتة العسكريين، الذين باتوا محيطين بهذه الأساليب ومتهيئين لها.

وقد تطوّر عمل الجيش الوطني بجبل الشعانبي على ثلاث مراحل، مرحلة أولى أطلقت عليها تسمية "استطلاع واستكشاف"، وقد امتّدت من 29 أفريل إلى 31 جويلية 2013، قدّمت فيها المؤسسة العسكرية 12 شهيداً و14 مصاباً، لتشهد في مرحلة ثانية نقلة نوعية سمّيت بـ"تركيز القوات بجبل الشعانبي"، وهي الفترة الممتدّة من 1 أوت 2013 إلى غاية 31 أوت 2014، ومرحلة ثالثة حملت اسم "المبادرة والهجوم" وقد بدأت منذ غرّة سبتمبر 2014 ولا تزال مستمرّة إلى الآن، وخلال المرحلتين الأخيرتين تمّ القضاء على عناصر إرهابية والقبض على آخرين، إلى جانب التدمير الكلّي لمخيماتهم وحجز عدد كبير من الأسلحة والذخيرة، وتفجير مخابئ للإرهابيين تحت الأرض، الأمر الذي خلّف عديد القتلى في صفوفهم حيث تمّ العثور على جثث متفحّمة تابعة لهم.

وتختلف المهام الموكولة إلى الوحدات العسكرية المتواجدة بجبل الشعانبي، إلا أن "روتينهم اليومي" لا يخلو من المخاطر، فمنهم من يتولى الكشف عن الألغام، والتي يوجد منها نوعان : واحد مضاد للأشخاص وآخر للعربات، وهناك من يتولى تفكيكها وتفجيرها، وذلك بإسناد من عناصر يؤمنونهم من جميع الجوانب. بالإضافة إلى عمليات التمشيط والرصد التي تقوم بها الوحدات العسكرية والهجوم على الإرهابيين وغيرها.

هذا ويؤكد العسكريون بالشعانبي ان لا خيار أمامهم إلا الإنتصار وانهم مستعدّون للحفاظ على هذه الأرض مهما طالت المعركة. ويعزّز حديثهم الاستعداد واليقظة الدائمين لدى العسكريين للردّ والتصدّي للإرهابيين الذين باتوا يحسبون ألف حساب لجاهزية الوحدات العسكرية ويتجنّبون مهاجمتها مباشرة خوفاً من وابل الرصاص والقذائف التي يدركون انها ستكون بلا هوادة ولن تنتهي قبل أن توقع عدداً من القتلى أو الجرحى على الأقل في صفوفهم.

يشار إلى ان الوحدات العسكرية منذ جوان 2015، نفذت 36 عملية كبرى وقامت بنصب 179 كميناً وقذف 4458 رماية مدفعية.

وقد تمّ تجهيز أبراج مراقبة منتشرة على مناطق مختلفة من الجبل تهدف إلى تيسير عملية المراقبة وتوفر الحماية والراحة للعسكريين داخلها من أي ضربات وإن كانت بواسطة "الآر بي جي".

كما تشهد محطة الإرسال الإذاعي والتلفزي، الموجودة في أعلى نقطة في الجبل والتي تنطلق منها العمليات العسكرية، أشغالاً لتشييد أبراج وتركيز منظومة مراقبة حرارية.

قد تكون الحرب ضدّ الإرهاب طويلة الأمد، لكن المرء لا يسعه إلا أن يكون شبه متيقّن من القضاء على هذه الآفة عندما يلمس الإصرار والشجاعة والمعنويات المرتفعة التي تأبى الاستسلام لدى الجيش الوطني الذي لا يواجه عناصره الموت بشكل يومي فحسب، بل ظروفاً صعبة يواجهونها باستبسال ولسان حالهم يقول "يحيا الوطن".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.