النفاذ إلى المعلومة في تونس: حقّ دستوري مع تأجيل التنفيذ!

أثار مشروع القانون الأساسي عدد 2014/55 المتعلّق بالحقّ في النّفاذ إلى المعلومة، جدلاً كبيراً لعدّة عوامل لعلّ أبرزها سحبه من قبل الحكومة الصيف الفارط ومن ثمّ إعادته لتصادق عليه لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب، يوم الجمعة الفارط بحضور 5 نواب فقط من أصل 22 نائباً، وأعادت التصويت عليه أمس الثلاثاء بحضور 11 نائباً من أعضاء اللجنة.

وفي ما يتعلّق بمضمون مشروع القانون المذكور، اعتبر العديد من نشطاء المجتمع المجتمع المدني والصحفيين والمهتمين بالشأن العام ان يتضمّن فصلاً يفرغ القانون من جوهره ويحول دون الحصول على المعلومة لاحتوائه جملة من الاستثناءات التي تحمل معاني فضفاضة وذات طابع عام.

مفاهيم سهلة ممتنعة.. وممارسة بعيدة عن النصوص

وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، في تصريح خصّ به حقائق أون لاين، إنه من المفترض أن لا تصادق اللجان في مجلس النواب على مشاريع القانون وإنما أن توصي الجلسة العامة للمجلس بالمصادقة عليها أو برفض المصادقة عليها أو إدخال تعديلات عليها والمصادقة عليها، مبيناً ان النظام الداخلي للمجلس يسمح للجان بالمصادقة على مشاريع القوانين ومشيراً إلى ضرورة تنقيح النظام الداخلي لأن مصادقة اللجان على مشاريع القوانين تسبب إشكالات قانونية كما حصل في مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء.

 من جهة أخرى، أوضح سعيّد ان الحق في النفاذ إلى المعلومة مضمون دستورياً في الفصل 32 الذي ينصّ  في الفقرة الأولى منه على ان الدولة تضمن الحق في الإعلام وفي النفاذ إلى المعلومة.

 وأضاف ان مشروع القانون المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة يفترض عملاً بالفصل 49 من الدستور أن  لا ينال من جوهر هذا الحق وان لا توضع فيه هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية  وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة  وذلك مع احترام التناسب كما ينصّ الفصل 49 المذكور بين هذه الضوابط وموجباتها.

 وأشار محدثنا إلى وجود جملة من الاستثناءات في مشروع قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة التي قال إنها  يمكن ان تفرغ هذا الحق من جوهره رغم ما ورد في نصّ الدستور نفسه من ضرورة حماية ما تمّ التنصيص  على حمايته، مضيفا انه جاء بصيغ عامة يمكن أن تؤدي إلى كثير من الاستثناءات فالأمن العام أو الآداب  العامة هي من المفاهيم التي يصعب تحديدها.

واعتبر انها عناوين كبرى يمكن ان توضع داخلها جملة من الاستثناءات، لافتا النظر إلى ان رئيسة لجنة الحقوق والحريات بشرى بلحاج حميدة صرحت انه لم يكن بالإمكان التوصل إلى أكثر مما تم التوصل إليه أمس فيما يتعلق بمشروع القانون وأبدت رغبتها في أن يتمّ التوصل إلى أكثر من ذلك في الجلسة العامة.

وأكد قيس سعيّد ان القضية ليست في النصّ في حدّ ذاته ولكن في عقلية لا تزال سائدة ومسيطرة داخل أجهزة الدولة موضحاً ان المشكل الأساسي يكمن في الممارسة والتي هي في كثير من الأحيان في قطيعة تامة مع النصوص القانونية التي يفترض أنها تنظمها.

وبيّن انه من جهة هناك عقبات قانونية ومفاهيم سهلة ممتنعة عن التحديد ومن جهة أخرى هناك الممارسة البعيدة عن النصوص والتراتيب.

وختم بالتأكيد على انه هناك من يسعى إلى منع الإعلام من الحصول على المعلومة وإعادة السيطرة عليه مضيفاً انه لا يمكن أن تحكم تونس كما كانت تحكم من قبل، قائلاً "ان هذه فترة مضت وولّت ولا يمكن ان تعود حتى وإن حاول الكثيرون ان يحكموا بآليات قديمة وان يصنعوا التاريخ بما مضى ولكن التاريخ لا يمكن أن يصنع بآليات لفظها ورفضها الشعب التونسي".

مجموعة من الاستثناءات ذات الطابع العام والفضفاض

من جهته، اعتبر عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين يوسف الوسلاتي، في تصريح لحقائق أون لاين، ان الفصل 25 من مشروع قانون حق النفاذ إلى المعلومة يفرغ القانون برمّته ويمسّ من حق طالب المعلومة في النفاذ إليها من خلال وضع مجموعة من الاستثناءات ذات الطابع العام والفضفاض على غرار المصالح الاقتصادية للدولة أو المصالح التجارية المشروعة، على حدّ تعبيره.

وأردف الوسلاتي بالقول ان الفصل يترك كذلك للإدارة تقدير ما إذا كانت تلك المعلومات تهمّ المصالح الاقتصادية والتجارية المشروعة أو تهمّ الأمن العام.

وأوضح ان اعتراضه على مشروع القانون المذكور يتعلّق بالفصل 25 منه داعياً المجتمع المدني والكتل النيابية إلى التمسك بحذفه والتصويت على مشروع قانون يضمن شفافية المعاملات ويمكن من الحصول على المعلومة بالنسبة للتونسيين بشكل عامّ والمجتمع المدني خاصة والصحفيين بشكل أخصّ.

يشار إلى ان الفصل 25 من مشروع قانون حق النفاذ إلى المعلومة ينصّ على ما يلي:

للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة التي يمكن أن ينجرّ عن النفاذ إليها ضرر بالمجالات التالية:

– الأمن والدفاع الوطني

– العلاقات الدولية

– المصالح الاقتصادية للدولة

– سير الإجراءات أمام المحاكم والبحث في الجرائم والوقاية منها

– حماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية

– المصالح التجارية المشروعة للهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون والغير بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والصناعية

– المداولات وتبادل الآراء ووجهات النظر والاستشارات.

ويتمّ تقدير الضرر عند تقديم مطلب النفاذ على أن يشمل الضرر الآني أو اللاحق.

لا تعتبر هذه المجالات مسوّغاً مطلقاً لرفض النفاذ إلى المعلومة وتكون خاضعة لتقدير الضرر من تقديم مطلب النفاذ على أن يكون الضرر جسيماً سواء كان آنياً أو لاحقاً كما تكون خاضعة لتقدير المصلحة العامة من تقديم المعلومة من عدمها".

وكانت رئيسة جمعية "البوصلة" أنس عبد الكريم قد أكدت في وقت سابق لحقائق أون لاين أن هذا الفصل غير دستوري معتبرة انه يمثّل خطراً حقيقياً خاصة إذا تمّ  استعماله بصفة تحرم المواطنين والصحفيين والمجتمع المدني من ممارسة حقّهم.

لا داعي للمواقف العدائية..

وفي الإطار نفسه، أوضح النائب عن حركة النهضة وعضو لجنة الحقوق والحريات نوفل الجمالي ان الفصل 25 هو مبدئي مبيناً ان الحكومة كانت قد سحبت مشروع القانون المذكور بسبب هذا الفصل.

وأبرز الجمالي، في تصريح لحقائق أون لاين، انه تقدّم بمقترح توافقي بين موقف الحكومة وموقف لجنة الحقوق والحريات حول الفصل 25 مشيراً إلى ان اللجنة قد صوّتت عليه.

وبيّن ان هذا المقترح يهدف إلى التضييق على الاستثناءات وتسليط نوعين من الرقابة الأول يتعلّق بطبيعة الضرر والثاني المصلحة العامة من رفض مطلب النفاذ.

وشدّد على ان مشروع القانون المتدوال حالياً ما هو إلا مرحلة أولية وسيتمّ عرضه على الجلسة العامة للمجلس وانه مرشّح للتغيير.

وقال عضو مجلس نواب الشعب إنه "لا داعي لمواقف عدائية من مشروع القانون" في انتظار عرضه على الجلسة العامة وما سيتمّ التوصل إليه بشأنه من توافقات بعد النقاشات بين مختلف الكتل النيابية.

وأعرب عن أمله في أن يتمّ الخروج بنسخة محترمة لافتاً إلى ان النسخة الحالية من مشروع القانون وبالنظر إلى المعايير الدولية تعتبر نصاً تقدمياً "إلى أبعد الحدود"، مضيفاً انه مقارنة بقوانين بعض الدول الأوروبية العريقة في ديمقراطيتها فإن القانون التونسي متطوّر عليها بأشوط، وفق تأكيده.

وأشار الجمالي إلى انه لا يوجد داع للاستياء من مشروع القانون بصيغته الحالية باعتبار انه ستتمّ مناقشته وسيطرح على الجلسة العامة معرباً عن أمله في الخروج بنسخة محترمة ومقبولة تضمن هذا الحقّ وتفعّله.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.