وصفت بالمنعرج: السجين السياسي السابق سمير طعم الله يروي كواليس محاكمة 2 فيفري 2002

مرّت 13 سنة على محاكمة 2 فيفري 2002 الشهيرة ضدّ عدد من قيادات حزب العمال الشيوعي آنذاك، وهم حمة الهمامي وسمير طعم الله وعبد الجبار المدوري.

ويعتبر الكثيرون ان هذه المحاكمة شكلت منعرجاً خطيراً في الحياة السياسية بتونس والحراك السياسي داخلها.

وفي هذا السياق، قال السجين السياسي السابق وعضو حزب العمال سمير طعم الله، ان المحاكمة انطلقت فعلياً في 1998 عندما قام حزب العمال الشيوعي في ذلك الوقت (حزب العمال حالياً) بنشر وثيقة وتوزيعها، الأمر الذي تسبّب في حملات إيقافات مسّت كلّ هياكل الحزب وقواعده.

وأضاف طعم الله، في حديث مع حقائق أون لاين، انه على إثر ذلك خيّرت مجموعة من الحزب العمل في السرية لا هروباً من السجن بل لمواصلة النضال موضحاً ان السلطة كانت تريد من خلال سجنهم ان تقيّد حركتهم وتمنع نضالهم مشيراً إلى ان هذه المجموعة واصلت نضالها بسرية في الجريدة الخاصة بهم ومن خلال الإشراف على الهياكل والاتصال بوسائل إعلام أجنبية وغيرها.

وبيّن ان هذه التجربة هي خيار صعب وهو أصعب من السجن.

ولفت محدثنا إلى ان المجموعة قرّرت بعد قرابة 3 سنوات من العمل في سرية مواجهة المحاكمة (وتضم المجموعة حمة الهمامي وعبد الجبار المدوري وسمير طعم الله) مبرزاً ان هذا الأمر كان مقرّراً لأكتوبر 2001 حيث أعدت المجموعة عدّتها للخروج في مواجهة النظام رافعة شعار "من يحاكم من".

وأوضح ان هذا القرار جاء بعد ان نشطت المنظمات الحقوقية وصار هناك نوع من الحركة السياسية وبدأ نظام بن علي يظهر على حقيقته، مضيفاً انه في 11 سبتمبر 2001 وقع استهداف ناطحات السحاب في الولايات المتحدة الأمر الذي جعل من الحديث عن الديمقراطية والحريات في ذلك الوقت هراء في ظلّ بروز منطق مقاومة الإرهاب، خصوصاً وان بن علي استغلّ هذا الظرف ليزيد من الاحتقان الأمني.

وبيّن سمير طعم الله ان كلّ ذلك جعل المجموعة تتراجع عن قرارها فحوكم أفرادها غيابياً بـ9 سنوات و3 أشهر لكلّ واحد منهم مؤكداً انه إثر ذلك واصلت المجموعة نضالها سرياً من خلال الاتصالات السياسية والاتصال بالمنظمات الحقوقية كمنظمة العفو الدولية سواء مكتبها بتونس أو المركزي وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان إلى جانب الاتحاد العام لطلب تونس وبعض وسائل الإعلام الأجنبية.

يذكر ان التهم التي كانت موجهة ضدّهم تمثلت في الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها وتوزيع بيانات من شأنها تعكير الوضع العام، إلخ…

وأشار طعم الله إلى انه بعد نقاش عميق قررت المجموعة اختيار الكشف عن حقيقة النظام السابق بوجوه عارية ومكشوفة وتوجيه رسالة للنظام مفادها أنهم هم من يحاكمونه على لا ديمقراطيته، وعلى نظامه المافيوزي وعائلات الطرابلسي والعائلات التي كانت تنهب، وعلى ضرب حرية الصحافة والإعلام، وعلى اقتصاد قائم على المديونية وعلاقات مشبوهة مع الصهاينة، وعلى قضاء تابع للسلطة، وعلى تعددية حزبية واهمة وأحزاب كرتونية، وعلى مسرحيات انتخابية…

وأفاد أنه تمّ تقديم اعتراض على الأحكام الغيابية عبر محامين قبل شهر من 2 فيفري 2002، لافتاً إلى ان الوصول للمحكمة كان صعباً جداً خاصة مع انتشار خبر الاعتراض وبالتالي فقد كان أعوان الأمن في كلّ مكان للقبض على أفراد المجموعة قبل موعد المحاكمة.

وكشف انه وقعت عمليات مداهمة لمنازل أعضاء المجموعة وعائلاتهم وأصدقائهم وكلّ من يمت لهم بصلة من قريب أو من بعيد وكان هناك استنفار أمني غير مسبوق للقبض على العناصر الثلاثة إلى جانب عمار عمروسية الذي كان مفتشا عنه في قضايا أخرى.

وبيّن السجين السياسي السابق أن أفراد المجموعة خلال عملهم في السرية كانوا مفترقين ويتواجدون في أماكن مختلفة كي يتجنبوا القبض عليهم جميعاً في حال اكتشاف مكان أحدهم، مضيفاً انهم اجتمعوا 3 أيام قبل المحاكمة كي يضعوا خطة محكمة تمكنهم من الوصول إلى المحكمة بشارع باب بنات بالعاصمة دون القبض عليهم من قبل البوليس الذي كان منتشراً في مختلف الأماكن ويتحيّن الفرص لإيقافهم قبل مثولهم أمام القضاء.

وأشار طعم الله إلى ان كلّ واحد منهم قام بتجهيز حقيبة وضع فيها ملابسه واحتياجاته استعداداً لسجنهم بعد المحاكمة موضحاً انه يوم 2 فيفري 2002 توجه إلى المحكمة رفقة عمار عمروسية في وسائل عامة (حافلة تحديداً)، ولم يكونوا متخفين بل كانوا يتصرّفون بطريقة طبيعية كي لا يثيروا شبهات أعوان الأمن.

وقال إنهم دخلوا إلى شارع باب بنات بعد أن مرّوا من أمام مقرّ وزارة التربية ووجدوا أن الشارع المذكور كان ملغّماً بأعوان الأمن ومكتظاً بعائلاتهم ووسائل إعلام أجنبية ومحامين والعديد من الناس الذين أتوا واحتلوا الشارع بداية من القصبة إلى شارع مستشفى شارل نيكول.

وأضاف محدثنا انه وعمار عمروسية توجه نحو المحكمة حاملين حقيبتيهما وابتعدا عن بعضهما قليلاً مع التواصل المستمر عبر تبادل النظرات خشية من أن يقوم الأعوان بالتعرف على أحدهما وإيقافه إلى أن وصلا أمام مقرّ المحكمة حيث يتواجد المحامون والإعلام، الأمر الذي كان سيحول دون أن يتمّ إيقافهم قبل المحاكمة.

وأشار إلى انهم وقفوا إلى جانب المحامين في انتظار وصول حمة الهمامي لافتاً إلى ان هذا الأخير وصل متخفياً في زيّ خليجي أوحى بأنه مع الصحفيين الأجانب .

وأبرز انه عند ذلك تمّ عقد لقاءات صحفية مع وسائل الإعلام الأجنبية التي كانت حاضرة ومن بينها قنوات فرنسية، وقد قال حينها حمة الهمامي "قررنا أن نأتي كي نحاكم النظام البوليسي بوجوه عارية ولسنا خائفين لا من السجن ولا من التعذيب..".

وأشار سمير طعم الله إلى ان الرئيس السابق زين العابدين بن علي يبدو كأنه كان يتابع ما يحصل وقد استفزته الكلمة التي قالها حمة الهمامي، مبيناً انه بعد ذلك توجهوا جميعاً إلى مكتبة المحامين بالمحكمة وتداولوا على إلقاء كلمات حول الوضع السياسي العام ومواقفهم السياسية.

وأضاف انهم توجهوا بعد ذلك إلى القاعة عدد 5 التي كانت معدّة لمحاكمتهم إلا أنهم وجدوا أنها كانت ضيقة جداً ولم تتسع للحاضرين الذين كانوا بالمئات، كما أنها كانت مجهزة بأدوات تنصّت وكاميرات لنقل ما يحصل مباشرة إلى قصر قرطاج، مشيراً إلى ان المجموعة والمحامين وحتى القاضي نفسه لم يكونوا على علم بوجود هذه الأدوات في القاعة.

وأردف بالقول إن عميد المحامين آنذاك بشير الصيد تحدث مع القاضي الكعباجي لتغيير مكان المحاكمة لتصبح في القاعة عدد 6 فوافق هذا الأخير إلا أن البوليس السياسي الذي كان حاضراً وقتها رفض ذلك وتوجه أعوانه بالقول للقاضي "ما هو دخلك أنت كي تغير القاعة.. المحاكمة يجب أن تتمّ هنا".

وقد حصل مدّ وجزر بين مختلف الأطراف في الوقت الذي توجه فيه المحاكمون إلى القاعة عدد 6 على وقع الأناشيد والزغاريد التي لم تتوقف منذ الدخول إلى المحكمة، وفق محدثنا الذي اعتبر ان ذلك كان احتفالياً ولم يشهد له مثيلاً.

وأوضح طعم الله انه كان يقف إلى جانب حمة الهمامي وعبد الجبار المدوري في المكان المخصص للمتهمين في القاعة عدد 6 فما راعهم إلا دخول أعوان البوليس السياسي، وعلى رأسهم وليد بالأزرق وآخر يدعى عز الدين، من المكان المخصص لدخول هيئة المحكمة وقيامهم باختطافهم من قاعة المحكمة، معتبراً ان هذا الأمر كان فضيحة وان أكبر خطإ ارتكبه بن علي هو أمره باختطاف قيادات حزب العمال الشيوعي من قاعة المحكمة دون اعتبار لهيبتها.

وبيّن انه تمّ اقتياد كلّ واحد منهم إلى زنزانة في قبو المحكمة وتمّ تخصيص ستة أو سبعة أعوان لكلّ فرد منهم، وتعرّضوا، ثلاثتهم، إلى الاستفزاز وتفتيشهم لإيجاد أي دليل أو معلومة حول المكان الذي كانوا يختبئون فيه، ولكن دون أن يقع ضربهم أو تعذيبهم وذلك لتواجد وسائل إعلام أجنبية كانت ستنقل كلّ ما يحصل، وفق تعبيره.

وقال إنه بعد ساعة تقريباً تمّ اصطحابه هو وعبد الجبار إلى القاعة عدد 5، مشيراً إلى ان أعوان الأمن كانوا واقفين في الرواق وكأنهم جدار، ومن ثمّ أدخلوهم إلى القاعة عدد 5 التي فوجئوا بأنها مكتظة بأعوان الأمن أقلهم مركزاً له نجمتان، وكان هناك واحد فقط يرتدي زي محام لم يتعرّفا عليه، دون أن يجدوا المحامين ووسائل الإعلام الذين كانوا حاضرين.

وأضاف سمير طعم الله ان عبد الجبار المدوري سأل من كان يرتدي زي المحامي عن مكان الباقين فأخبره بأنهم انسحبوا وانه جاء للدفاع عنهما، فما كان من المدوري إلا أن توجه إلى القاضي الكعباجي بالقول "انت لست قاضياً.. وأنت عار على القضاء.. وكيف تسمح للبوليسية بالتحكم فيك…".

وبيّن انه عندها تمّ اقتيادهما من جديد إلى الزنزانة في قبو المحكمة لافتاً إلى انه بعد  ذلك عاد المحامون بعد أن اتفقوا على تنفيذ إضراب عام وطني على خلفية اختطاف الهمامي وطعم الله والمدوري بتلك الطريقة، كما تمّ تخريب آلات تصوير الصحفيين.

وبعد احتجازهم لفترة أخرى، أعاد البوليس سمير طعم الله وحمة الهمامي فقط إلى قاعة المحاكمة، وحين بدأ استنطاقهما رفضا الحديث مطالبين بعودة عبد الجبار المدوري.

وانتظرا فترة دون أن يعود المدوري وبعد ساعتين تقريباً، خرج القاضي الكعباجي بمفرده دون مستشارين أو مقرر جلسة، وكان يحمل ورقة مكتوبة بالقلم وقرّر إبقاء الحكم الغيابي في حق الهمامي وطعم الله (9 سنوات و3 أشهرسجنا )، في حين تمت زيادة سنتين إلى جانب الحكم المسبق ضد المدوري ليصبح بذلك الحكم الصادر في حقه 11 سنة و3 أشهر، حسب المصدر نفسه.

وأشار سمير طعم الله إلى انه بعد ذلك تمّ اقتيادهم ثلاثتهم إلى سجن 9 أفريل، مبيناً انه من الطرائف أن عبد الجبار المدوري لم يكن يعلم بالحكم الصادر ضدّه ولا أنه يتمّ اقتياده إلى السجن.

وقال إنهم عند وصولهم إلى السجن قيل لهم بأنهم كانوا يحضرون طيلة اليوم لحضورهم وكأنهم إرهابيون أو مجرمون خطيرون.

وأكد طعم الله ان محاكمة 2 فيفري 2002 كان لها تأثير كبير على جميع السياسيين وكلّ البلاد وأنها تعدّ منعرجاً كبيراً في الحياة السياسية بتونس، مشدداً على أهمية الشحنة الكبيرة والروح المعنوية العالية التي كانت منتشرة في صفوف الحاضرين في ذلك اليوم من منظمات وشباب.

وخصّ محدثنا بالشكر المحاماة والمحامين الشرفاء الذين قال انهم كانوا العمود الفقري للنضال الحقوقي.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.