إعلان ضياع الأحزاب الحاكمة!

أذكت حادثة وفاة شاب من ولاية القصرين،احدى الولايات التي مثّلت مهد الثورة التونسية قبل 5 سنوات خلت، إثر تسلّقه لعمود كهربائي بسبب حرمانه من الانتداب والتشغيل في الوظيفة العموميّة جذوة حراك احتجاجي في العديد من المناطق الداخلية في تونس لا سيما في الجهات المهمّشة تنمويا و اجتماعيا واقتصاديا.

الواقعة وسلسلة الاحتجاجات العفوية التي تلتها والمنادية بالتشغيل والعدالة الاجتماعية وصون كرامة المواطن، وهي ذات الشعارات التي رفعت في 2011، أعادت البلاد إلى شبح امكانية انفلات الأمور من عقالها في ظلّ انخرام الوضع المالي للدولة والقصور الحكومي في التعاطي مع الملفات الحارقة والأساسية من قبيل التنمية في الولايات التي لطالما عانت من الحيف السياسي والغبن الاجتماعي وتواصل الخطر الارهابي.

التطوّرات الأخيرة التي تشهدها بعض الجهات و المناطق الداخلية في تونس وصل صداها إلى العاصمة وقد تفاعل معها نشطاء ميدانيون وافتراضيون في شبكات التواصل الاجتماعي تعبيرا منهم على التضامن مع المواطنين في تحرّكاتهم رغم وقوع حوادث عنف ونهب مرفوض وتعديّات على مقرات سيادية للدولة ومواجهات مع قوات الأمن النظامي.

وقد عجّلت هذه المستجدات الطارئة وغير المستبعدة لأسباب موضوعيّة عديدة، بتطارح الأزمة العميقة التي تمرّ بها تونس رغم سقف النجاح العالي الذي حقّقته تجربتها في الانتقال الديمقراطي بعد سنّ دستور جديد يكرّس التعدديّة السياسيّة ويركزّ مؤسسات قويّة ضامنة للحريّات ولمبدإ التداول السلمي على السلطة عبر انتخابات شفّافة تجسّد سيادة الشعب.

فمن الواضح أنّ الأسباب الجوهرية/الهيكلية التي كانت وراء انتفاضة الشعب التونسي على نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مازالت ترواح مكانها، إذ عجزت أو فشلت النخب التي تداولت على إدارة شؤون الحكم في السنوات الخمس الماضية في بلورة مخطط انقاذ عاجل لاحتواء الغضب الشعبي وتحقيق الحدّ الادنى الضروري من تطلّعات المواطنين من الذين يعيشون حياة الكفاف مقابل السقوط في صراعات هامشيّة تولي الأهميّة للمصالح الشخصيّة والحزبية والإيديولجية الضيّقة والمقيتة.

كلّ هذه المعطيات زادت من حدّة المخاوف والهواجس المنهكة والمؤرقة للدولة والسلطة الحاكمة والمجتمع على حدّ السواء وسط غموض سياسي تعرفه الساحة الحزبية في تونس التي تعيش على وقع ارهاصات تحوّلات جديدة بعد انقسام الحزب الحاكم نداء تونس الذي أسّسه رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي ووهن المعارضة ومحدودية تأثيرها في المشهد التونسي، وهو ما أعاد خلط الاوراق لفائدة حزب حركة النهضة معزّزا ثقلها في التوازنات داخل البرلمان، وفي خضم دعوة البعض من الأطراف السياسيّة والمدنيّة، ولو بصوت محتشم، إلى التعجيل في إجراء إنتخابات تشريعية مبكرة سابقة لأوانها.

ومن المؤكد أنّ السنة الحالية 2016 ستكون الأخطر في تاريخ التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة التي تتهدّدها مخاطر جمّة أمنيّة وماليّة بالنظر إلى تفاقم حجم المديونية وتعثّر قطاع السياحة واكراهات التزامات الدولة تجاه الدائنين الخارجيين، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي والتوتّر في المحافظات الداخلية المهمّشة والذي قد يفضي القصور الحكومي والسياسي في التخفيف من وطأته إلى اندلاع موجة غضب شعبي أكثر حدّة وحركات رفض وتمرّد مجهولة المآلات والعواقب.

إنّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية والعميقة والتعثر التنموي كلها قنابل موقوتة لن ينزع فتيلها طالما لم تتوفر الارادة السياسية والمشروع السياسي الشامل والاستراتيجي فالطبقة السياسية الحالية برمتها عاجزة و قاصرة بمختلف تلويناتها وهي تمثل وجوها لعملة واحدة بروح ماضوية لم تستوعب اللحظة التاريخية واستحقاقاتها. والعقل السياسي التونسي هو حاليا خارج التاريخ وبعيد كل البعد عن تطلعات المستقبل.

إنّ تحديات الوضع الحالي الخطير في تونس تطرح الحاجة مجددا الى نخبة سياسية جديدة ورؤى ومقاربات تراعي الواقع بجرأة استئناسا بخطة انقاذ واضحة المعالم. زيادة عن ضرورة التفكير في امكانية مراجعة النظام السياسي الجديد وهو برلماني معدل مكبل للسلطة التنفيذية مادامت لا توجد احزاب قوية في البلاد تتنافس بشراسة حول برامج تفصيلية مختلفة لا بشأن السلطة و امتيازاتها الغنائمية.

غير أنّ الاشكالية الاخرى الكبيرة التي تطرح نفسها أيضا هي غياب الأحزاب السياسية الحاكمة عن الميدان من أجل احتواء فتيل الأزمة لتفسح بذلك المجال أمام عديد التساؤلات الواخزة بشأن مشروعيتها السياسية والأخلاقية ومدى تجشمها للمسؤولية التاريخية المناطة بعهدتها.

فهل بات من الضروري إصدار إعلان ضياع بحثا عن أحزاب تاهت في معترك بناء الجمهورية الثانية وتحقيق أهداف ثورة أضحت تنعت بالإنقلاب؟

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.