سالم الأبيض: تقارب النهضة والنداء مناورة بإملاء خارجي…وهؤلاء يقتلون الدولة

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي سالم الأبيض إنّ الأجهزة التنفيذية أصبحت تقتل الدولة أو تصيبها بالشلل في أقل الأحوال، لأن هذه الأخيرة لم تعد تدار بواسطة رجال السياسة الفقيهين في الشأن العامّ  الشعبي ومتطلباته المتجددة وتفكيك ألغاز خارطة مراكز القوة واللوبيات النافذة في الدولة ومنطق المصالح والتحالفات وغيرها من أسرار اللعبة السياسية.

وأضاف الأبيض في حوار لحقائق أون لاين اليوم الثلاثاء 27 ماي 2014 أنّ حكومة التكنوقراط التي تدير دواليب الدولة في هذه المرحلة من تاريخ البلاد "تبدو كأنها في عالم آخر"، موضحا أن وزراء جمعة لا يفهمون جوهر الصراعات السياسية الدائرة سواء الداخلية منها أو الاقليمية والدولية ، ولا سيما ما يجري في ليبيا و مصر وسوريا وما تشهده أوروبا من صعود لأقصى اليمين مما احدث زلزالا سياسيا في مراكز القوة التقليدية خاصة في فرنسا "حليف تونس التقليدي" وفي المملكة المتحدة وما ينجرّ عنها جميعا من تغيّرات ذات تأثير على تونس بالضرورة.

وأشار الجامعي الذي شغل منصب وزير التربية في حكومة عليّ العريض إلى أنّ عدم فهم حكومة التكنوقراط للمسار الذي تسلكه البلاد حاليا هو تمهيد لإنتاج أزمات تبرز مقدماتها في انتهاج سياسة الزيادات غير المدروسة في المواد الأساسية والمحروقات التي ستعصف بحياة الشرائح الفقيرة الواسعة وكأن الحكومة لا تعلم أن عدد الفقراء يتجاوز 25 بالمائة وأن المهددين بالفقر يصل 50 بالمائة من السكان بما في ذلك الطبقة الوسطى برمّتها، مضيفا بالقول :"وهكذا عدنا إلى إنتاج النظام القديم بمعناه الشامل…إذ لا شيء تغيّر بما في ذلك الحريات إذ سيسجل التاريخ أن حكومة التكنوقراط تحاكم شباب الثورة التي جاءت بهم للسلطة". وعزا سالم الأبيض استمرار الوضع على حاله في عهد الحكومة الحالية إلى عدم وجود برنامج وطني للإنقاذ أو خيارات ذاتية للوزراء أنفسهم واتّباعهم في المقابل لسياسات مملاة، حتى أن مصطلح مقاومة الفساد الذي نخر الدولة ولا يزال أصبح نشازا.

وبخصوص التقارب الذي كثر الحديث عنه مؤخّرا بين حركتي النهضة ونداء تونس، وصف سالم الأبيض التطوّر الجديد في العلاقات بين الحزبين المذكورين بـ"التقارب الهشّ" الذي لا يعدو أن يكون "مناورة من الطرفين كانت وليدة إملاء خارجي"، مضيفا أنه لو "عرض خيار التقارب على السواد الأعظم من قواعد الحزبين لتمّ رفضه فهو التقاء قيادات لا أكثر".

وفي السياق ذاته، استبعد الأبيض أن يكون تقارب النهضة والنداء سياسيا أو انتخابيا، واصفا إياه بمجرّد "التقارب الإعلامي إلى حين تضع الانتخابات حملها فتظهر حقيقة كل طرف ، هذا إذا لم تزوّر الانتخابات بشكل أو بآخر وحينها فقط نعرف من سيتحالف مع من في تشكيل الحكومة القادمة".

وردّا عن سؤال حقائق أون لاين بخصوص التأثير السلبي المحتمل لتحالف الحزبين في الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة على أحدهما، أسوة بما حصل لحزبي التكتل والمؤتمر في انتخابات 2011 من تآكل، أجاب سالم الأبيض أنّ التآكل متأتّ من ممارسة السلطة في ذاتها أكثر منه نتيجة لطبيعة هذا الحزب أو ذاك فقد شمل النهضة وهي الحزب الأقوى في المعادلة، مضيفا أن قوة حركة النهضة في امتلاكها لقاعدة شعبية لا تزال كبيرة رغم التهرئة بينما يعتمد حزب نداء تونس على قوته الإعلامية والأجهزة الدولية الداعمة له وتمترسه في أجهزة الدولة وتوظيفه لقوى سياسية أخرى في المرحلة السابقة وخاصة اليسار الساكن داخله ونظيره في الخارج، فكلا الحزبين يمتلك بالتالي بعضا من القوة فقط حسب تعبيره جزء منها بدأ يتلاشى بعد الانتهاء من إسقاط حكومة الترويكا.

وأرجع الباحث في علم الاجتماع السياسي التآكل الذي يصيب كل حزب يمارس السلطة إلى "الإرث العائد لـ50 عاما من تكرار النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ذاته"، وعجز المتداولين على السلطة بالتالي عن إحداث أي تغيير أو إقامة نظام جديد بمعانيه الشاملة للسياسة والاقتصاد والتسيير.

أمّا عن الحلّ الذي يقدّمه لوقف هذا التآكل الذي يصيب الدولة ومسيّريها، فقد اشترط سالم الأبيض أن يتمّ تغيير النموذج التنموي المختلّ عبر القطع مع مركزية الثروات الوطنية وإعادة توزيعها بشيء من العدل، إضافة إلى خلق مجالس محلية تتمتّع بصلاحية اتخاذ القرار قصد تدعيم الديمقراطية المحلية والمشاركة الشعبية مع إصلاح قطاعات الأمن والقضاء والإعلام وحث الأحزاب المتقاربة في الأفكار والبرامج على التكتل لينشأ لدينا مشهد سياسي وطني حقيقي. وأضاف في نفس السياق أنّ اعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية نفسها منذ عام 1986 حتى 2014 لم تنتج سوى نموذج مختلّ وغير متوازن سينتج بدوره أزمات في المستقبل قد تعصف بالدولة هذه المرة وليس بهرم السلطة كما حدث ذات عشية 14 جانفي مع فارق هذه المرة أن قوى التطرف في الانتظار .

وشدّد محدّثنا في الختام على خطورة عودة رجال النظام السابق إلى بعض مفاصل الدولة القيادية في ظل حكومة جمعة أو في قيادة المرحلة القادمة  من الناحية السياسية لأن ذلك يعني إعادة المنظومة ذاتها حسب قوله التي لم تنتج سوى الفشل الهيكلي المزمن.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.